بعد خمسة أشهر فقط من وصول حزبها إلى السلطة، تواجه الزعيمة البورمية والحاصلة على جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي ضغطًا دوليًا متزايدًا بشأن التقارير التي صدرت مؤخرًا والتي تتحدث عن أن جنود جيش ميانمار الوطني يقومون بانتهاكات ممنهجة ضد الروهينغا المسلمين، لا تبدأ باغتصاب نسائهم ولا تنتهي بقتلهم وحرق منازلهم.
فقد أوردت صحيفة نيويورك تايمز نقلًا عن وكالة أسوشيتد برس أن الولايات المتحدة قررت الانضمام إلى الجماعات الحقوقية، والنشطاء المطالبين بالوقف الفوري للقتل والاغتصاب والذي أكدته تقارير حقوقية عدة، كان آخرها تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الذي صدر اليوم الإثنين صورًا بالأقمار الصناعية لثلاث قرى تم حرقها تمامًا في إقليم آراكان الذي يقطنه مسلمو الروهينغا.
ورغم التأكيدات المستمرة على مدار السنوات الماضية والتي توثق الجرائم التي ترتكبها الميليشيات البوذية وقوات الشرطة والجيش في ميانمار ضد مسلمي البلاد، إلا أن الحكومة تُصر علي نفي حدوث مثل تلك الجرائم، إذ دعا متحدث رسمي باسم الرئاسة الأمم المتحدة لزيارة البلاد لرؤية “الأوضاع على حقيقتها”، لكن الحكومة طالما منعت الصحفيين والحقوقيين وعمال الإغاثة الأجانب من دخول المناطق المتضررة.
لكن مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، يانغي لي، قال بأن انتهاكات خطيرة تتضمن التعذيب والقتل والاعتقال التعسفي والحرق وهدم المساجد والبيوت تجري بشكل مستمر في البلاد وتهدد ديموقراطيتها الوليدة.
وتبقى مسألة مسلمي البلاد من الأكثر القضايا حساسية في هذا البلد ذي الأغلبية البوذية، إذ حرمت السلطات المسلمين من حق التصويت في الانتخابات الأخيرة، ولم يتجرأ أي حزب على ترشيح مسلم واحد ضمن قوائمه، وقالت منظمات حقوق الإنسان إن مئات الآلاف من المسلمين توجهوا إلى مراكز الاقتراع، لكنهم منعوا من التصويت، لعدم اعتبارهم مواطنين من جانب الحكومة والحزب الحاكم، ويبلغ عدد المسجلين في قوائم الناخبين في ميانمار 30 مليون في بلد يبلغ تعداد سكانها قرابة 50 مليون.
وحتى الحزب الفائز في الانتخابات أي حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية المعارض بزعامة “سانغ سو كي” اعترف بأنه سحب المسلمين من قوائم مرشحيه تحت ضغط من مجموعة من الرهبان البوذيين الذي أججوا توترات مناهضة للمسلمين في مرحلة الاستعداد للانتخابات، كما أن الحزب الحاكم السابق المدعوم من الجيش لا زال يتمتع بـ 25% من مقاعد البرلمان، وهذا يضمن له بشكل كاف رفض أي تعديل على الدستور.
وكان الجيش في ميانمار، واسمها التاريخي بورما – وهو الاسم الذي يفضل نشطاء حقوق الإنسان إطلاقه على تلك البلاد -، يسيطر على مقدرات البلاد بشكل كامل، منذ عقود، وعزز سلطته بعد انقلاب عسكري حاسم في 1988، وقام بقمع حركة ثورية عُرفت باسم “ثورة الزعفران” عام 2007، ورغم انتخاب برلمان وحكومة جديدة قبل قرابة العام، إلا أن العديد من المعلقين ينفون امتلاك الحكومة المنتخبة لأي سلطة أو تأثير على الجيش، وللجيش في البلاد وضع خاص في الدستور يضمن له استقلالية وقوة تفوق سلطة المنتخبين في البلاد.
وعلى مدار سنوات الحكم العسكري وشبه المدني في ميانمار، عانت البلاد بشكل كبير من نقص الخدمات والفقر؛ فمن بين 55.7 مليون نسمة هم عدد سكان ميانمار، يعيش 70% في المناطق الريفية ويعملون غالبًا في القطاع الزراعي.
وتبلغ نسبة الفقر في ميانمار 26% من عدد السكان، إلا أن هذه النسبة تتضاعف في المناطق الريفية، أما بالنسبة للخدمات فإن الكهرباء، على سبيل المثال، تصل فقط إلى ربع السُكان، ولم يغير وجود الجيش في السلطة من هذا الواقع شيئًا.
كانت عودة العمليات الوحشية التي يقوم بها الجيش ضد مسلمي الروهينغا قد بدأت بمقتل تسع ضباط شرطة يخدمون على حدود إقليم آراكان، موطن أكثر من 800 ألف مسلم بورمي، في التاسع من أكتوبر الجاري، ولم يقم الجيش بأي اعتقالات على خلفية الحادث، لا سيما مع إعلان مجموعة إسلامية مسلحة مسؤوليتها عن العملية.
وعلى الرغم من أنهم عاشوا في تلك البلاد لقرون، إلا أن مسلمي الروهينغا يعانون من الحرمان من حقوقهم الأساسية، لا سيما من الجنسية، ويعيشون في أحوال شديدة الصعوبة تضعهم على رأس المجموعات المضطهدة في العالم، كما وصفتهم وكالة الأنباء الفرنسية عام 2012.
ففي يونيو من العام 2012 بدأت شرارة العنف العنصري ضد مسلمي الروهنيغا، واشتدت أعمال العنف البوذي ضد مسلمي الروهينغا ما أوقع نحو 280 قتيلاً غالبيتهم من المسلمين، بعد تحرك متطرفين بوذيين ضد مسلمي البلاد، أُجبر أكثر من 100 ألف مسلم على ترك منازلهم ليعيشوا في مخيمات قذرة تحاصرها الشرطة، وعندما حاول بعضهم الهروب باستخدام قوارب صغيرة، انتهى الأمر بهم ليقعوا ضحايا الإتجار بالبشر أو حتى احتُجزوا ليُطالب ذووهم لاحقًا بدفع فدية للإفراج عنهم.
ويعتمد مسلمو الروهينغا في طعامهم وحتى الرعاية الصحية على المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل، والروهينغا هم جماعة إثنية تستوطن ولاية آراكان في ميانمار بشكل رئيسي، يتميزون باستخدامهم للغة الروهينيغيا وديانتهم بالإسلام، ويمثلون أقلية مسلمة في بلد تدين أغلبيتها بالبوذية، كما يتخطى الأمر الجانب الديني للسياسي لما للديانة البوذية من دور محوري في تشكيل وتحديد القومية البورمية .
ولا تعتبر الحكومة البورمية الروهينغا مواطنين من الأساس، حيث يمنع الروهينغا من الحصول على الجنسية البورمية والسفر داخل البلاد أو خارجها، كما تمنع كل أسرة من تربية أكثر من طفلين، بالإضافة إلى تحديد إقامتهم لمجموعة من السجون المفتوحة وإجبار كل رجل على العمل مجانًا ليوم من كل أسبوع لصالح الجيش أو الحكومة، وقد قامت الحكومة بالفعل بمصادرة أغلب الأراضي التي اعتمدوا عليها في الزراعة لصالح مستوطنين بوذيين.
ولا تزال الحكومة البورمية مُصرة على عدم ضمان الجنسية للروهينجا، وتبرر ذلك بكونهم مهاجرين غير شرعيين من بلاد مسلمة كبنغلاديش، وحتى اليوم يستثنى الروهينغا من أي مسح سكاني في بورما، إلى حد أن قامت الحكومة العام الماضي بتغيير التسمية الرسمية للروهينغا إلى “البنغال”.
ولا يتوقع المتابعون أن تتحسن أوضاع المسلمين على المدى القريب، بالنظر إلى كيفية تعامل المدنيين المنتخبين والعسكريين المسيطرين على قطاعات واسعة في البلاد مع الأزمة.
المصدر:نون بوست