سعود الأحمد
بعد سنوات من تدخله في سورية استجابة لمخطط طائفي قديم، يواجه حزب الله اللبناني معوقات كبيرة مؤرقة له، فقد خسر على الأرض السورية عدداً كبيراً من مقاتليه خاصة في المعارك التي كانت تدور على جبهات حلب والغوطة في دمشق، حتى باتت العلاقة بين الحزب ومقاتلي النظام السوري من أفراد جيش وشبيحة علاقة مضطربة قائمة على الشحناء في كثير من الأحيان، فالأخبار الواردة من هناك والتقارير تشير إلى أنَّ جنود حزب الله مستاؤون من قوات الجيش السوري التي لا تجيد الحرب وفنون القتال وتحترف اللصوصية وتمتاز بالحماقة والبلاهة، إضافة نقص الموارد التي يتلقونها، تلك الموارد التي يمكن أن توصف بالوفيرة إذا ما قورنت بمخصصات أفراد الجيش من مؤونة وطعام ولباس!
كل هذا جعل الكثيرين من مقاتلي حزب الله يلقون على الجيش السوري سبب خساراتهم في المعارك أمام الجيش الحر، وتعتبر هذه الاتهامات التي كثيرا ما تكون متبادلة بين الطرفين فاتحة علاقة جديدة بين حلفين قديمين بقيا جنبا إلى جنب لمدة طويلة، فأفراد الجيش السوري أيضا يشعرون بالدونية إذا ما قارنوا أنفسهم بأفراد حزب الله أو بالأجانب الوافدين من خارج سورية.
وربما تبدو العلاقة بين حزب الله وإيران أكثر تعقيداً وتوتراً، فبعد سنوات الحب والعسل والوصال تظهر في الأفق سنوات الكره والسقام والتمنع، فالتقارير تشير إلى أنَّ حزب الله بدأ يفقد رصيده العاطفي في قلب طهران، بسبب أخطائه المتكررة في سورية، إضافة إلى ظهور النظرة الفارسية التي تحتقر العرب والعروبة.
وبالعودة إلى مقاتلي حزب الله نجدهم يلومون قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في إيران ويحملونه مسؤولية تراجع العلاقة بين الطرفين، فلقد قام هذا الأخير بالتدخل المباشر في تفاصيل العمليات العسكرية التي كان يعمل عليها الحزب، وفرض سطوته على الميليشيات الشيعية الأجنبية المقاتلة في سورية، وأشعل الصراع بين الشيعة الفرس والشيعة العرب، فنشأت توترات بالغة الخطورة، خاصة وأنَّ سليماني كان يتخذ من المقاتلين اللبنانيين كبش فداء في سبيل أمن وحماية عناصره ذات الأصل الفارسي.
هذه السياسة المتبعة من قبل سليماني جعلت ازدياد عناصر المتشائمين في صفوف حزب الله أمراً واقعاً وجعلهم يدركون أنَّهم مجرد وسيلة تجني من خلالها إيران أطماعها وتحقق مشاريعها الطائفية في المنطقة، ولذلك تشير التقارير إلى انسحاب أعداد لا بأس بها من الميليشيات اللبنانية التي تقاتل في سورية التي تحطَّم عندها حلم المشروع الذي يوحد الشيعة من دون النظر في أصولهم العرقية، وانضمام عناصر جدد يقاتلون من أجل لقمة عيشهم، أو عناصر يدفعهم تعصبهم وطائفيتهم، وهؤلاء يسمعون كلمة إيران ولا يعصون أوامرها، لذلك فإنَّ الفئة المقاتلة في حزب الله بشكل عام لا يمكن الاعتماد عليها كما هو الحال سابقاً، ولا يمكن أن تدافع عن نفسها إذا ما تلقيت اعتداء من أطراف قوية، وربَّما هذا ما تريده إيران في الوقت الراهن.
ويزداد الوضع سوءا إذا ما ألقينا نظرة إلى أولئك العائدين من الحرب في سورية إلى لبنان، إذ إنَّهم يعانون من صعوبة التأقلم مع مجتمعهم الأصلي ويتصرفون بعنف كبير مع من حولهم ويثيرون المشاكل، حتى إنَّ إحصاءات الحكومة اللبنانية تشير إلى ارتفاع نسبة الجريمة وتعاطي المخدرات في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت معقل حزب الله، فالمشاكل الاجتماعية تنخر جسد الضاحية وليس بالأمر السهل إيجاد الحلول الناجعة لها.
كل هذا في كفة، ففي الكفة الثانية تلقى حزب الله هزيمة قاسية من نوع آخر، فقد انخفضت شعبيته في الوطن العربي بعدما ارتفعت إبَّان حرب تموز 2006، إذ كشفت الثورة في سورية القناع عن وجهه ورفعت الستائر عن مسرحه، فخطاب مواجهة العدو الإسرائيلي استبدل بمواجهة العدو السني، وأصبح الطريق إلى القدس يمر من حلب والهدف هو مكة وقبلة السنة، هذا بالإضافة إلى الفشل الذريع الذي مني به الحزب وعجزه عن تحقيق وعده بالنصر الإلهي على المدنيين المظلومين في سوريا.
هذه مقدمات تضع حزب الله في موضع حرج يحتاج إلى كثير من الخبرة والحنكة والجهود وتخطيها، إلا أنَّ التصرفات العملية على الأرض تقول: إنَّ الحزب ماضٍ إلى مشاكل أكثر تعقيدا ربَّما تقلص عمر الحزب وعدد المنتسبين إليه.