جارية وخانعة لا همَّ لها سوى إرضاء زوجها والامتثال لأوامره، هكذا صوّر النظام السوري المرأة السورية في وسائل إعلامه وقدمها نموذجًا عن النساء السوريات في الحقبة الممتدة من عام 1900 حتى بداية حكمه في أواخر الستينات فترة استلام حزب البعث مقاليد الحكم، فكان هو المخلص لها من ذاك الظلم.
فهل حقًا تلك العينة من النساء كنَّ يمثلنَ شرائح نساء دمشق وسورية بأكملها؟ وإن لم يكن كذلك ما هو دورهنَّ الحقيقي آنذاك؟!
بالعودة إلى المراجع التاريخية في بداية القرن العشرين حين كانت سورية تخوض صراعات اجتماعية وسياسية، نجد أن الحراك النسوي كان ينتظم في إطار ما يُعرف (بالصالونات الأدبية) التي تجمع النساء المثقفات من الأسر الكبيرة الغنية وغالبًا هنَّ من الصحفيات والأديبات والمثقفات، ونذكر هنا شخصية الصحفية (ماري العجمي) الدمشقية التي أسست مجلة “العروس” أول مجلة نسائية سورية عام 1910والرابطة الأدبية الطليعية 1922، كذلك فعلت السيدة (زهراء العابد) حرم الرئيس محمد علي العابد حين أسست صالونًا أدبيًا في منزلها.
شاركت المرأة السورية بكثافة بالتظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي، واستطاعت تنظيم مظاهرات كبيرة قُدِّرت أعدادها بالآلاف ضد القصف الفرنسي لمدينة دمشق 1925 لكن تلك الحركة النسوية خفتَ صوتها بعد نفي الحركة القومية خارج سورية، وانعزلت الناشطات على أنفسهنَّ وتفرغنَ للتعليم ولجمعياتهنَّ الأدبية التي كانت نخبوية إلى حد كبير.
من أبرز الشخصيات النسائية التي شاركت في الحياة السياسية في تلك الآونة “ثريا الحافظ” صاحبة منتدى “سكينة الأدبي” في دمشق، ناضلت ضد المستعمر الفرنسي وساهمت في توعية النساء وتحريضهنَّ والسعي لتحصيل حقهنَّ في ممارسة الانتخابات والترشح، وكان تلك الخطوة التي شقت الطريق لكل النساء ليمارسنَ حقوقهنَّ المشروعة، كما رشحت “ثريا” نفسها للانتخابات لكنها فشلت، واعتقلت من قبل الاستعمار.
في عام 1943 تأسست أول جمعية نسائية سورية ذات طابع سياسي وهي “جمعية نساء العرب القوميات” طالبت بالحقوق السياسية النسائية للمرأة، ثم تبعتها جمعيات أخرى كجمعية رعاية الجندي وأسرهم، والجمعية النسائية للخدمات الاجتماعية، ترأستها “سامية المدرّس” وجمعية مواساة لاجئي فلسطين بعد نكبة 1948.
إضافة إلى جمعيات أخرى كانت تُعنى بالأمومة والطفولة ومحو الأمية ونشر الوعي السياسي لدى المرأة، وشكلت ثلاث جمعيات نسائية اتحادًا نسائيًا عربيًا سمي بـ “اتحاد الجمعيات النسائية” في دمشق عام 1944 ترأسته “عادلة بيهم الجزائري”.
في عام 1948حصلت المرأة السورية على حقها في الانتخاب إلا أنه كان مشروطًا في البداية بحصولها على الشهادة الابتدائية، كما اهتمت “رابطة النساء السوريات” بنشاط المرأة السياسي في العام نفسه.
توقف النشاط النسوي تقريبًا خلال سنوات الاضطراب السياسي، إثر الانقلابات العسكرية التي مرت بها سورية قبل انقلاب البعث، فمن انقلاب حسني الزعيم 1949 الذي منح المرأة لأول مرة حق الانتخاب بشرط حصولها على الابتدائية، إلى انقلاب سامي الحناوي، وانقلاب الشيشكلي، وقد حصلت المرأة السورية على أول حقوق المشاركة السياسية في هذه الفترة، إذ نالت حق المشاركة في الانتخاب عام 1949، ثم حصلت على حق الترشح عام 1953 وأزيل حينها شرط الحصول على الابتدائية لحق الانتخاب.
في عام 1954 عادت الحياة النيابية إلى سورية، لكن لم يكن للمرأة دور فعّال فيها رغم مشاركتها في النضال الوطني في الشارع السوري، كمشاركتها في الاجتماعات الشعبية الحاشدة وفي حركة المقاومة الشعبية إبَّان العدوان الثلاثي على مصر 1956.
في عهد الوحدة عام 1958 تم تشكيل مجلس أمة موحد ضم في عضويته 200 نائب عن الإقليم الشمالي (سورية)، كان من بينهم امرأتان هما السيدتان جيهان موصللي ووداد أزهري.
حين حدث الانفصال عام 1961تعطل على إثره عمل المجلس، وفي عام 1963 حصل نزاع بعد ذلك على السلطة انتهى بسيطرة البعث على مؤسسات الدولة كافة عام 1966 وضبطت الحراك الجماهيري السياسي والحريات السياسية بالقوة العسكرية، وهيمنت على مؤسسات المجتمع المدني أو ألغتها، من ضمنها الجمعيات التي يمكن أن تساهم في الدفاع عن حقوق المرأة، وضيّق على الجمعيات الخيرية النسائية وألغيت تراخيص الكثير من الصحف والمجلات، ومن ضمنها المجلات النسائية التي كانت تدعو إلى تحرر المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية والسياسية.
ويبقى السؤال: لماذا أغفل النظام السوري دور النساء الحقيقي في تلك الحقبة؟!
وهل أعطاها حقها في المشاركة السياسية والاجتماعية.. ؟!
أسئلةٌ نجد الإجابة عنها بمعرفة عدد المعتقلات في سجونه، وعدد الأرامل اللواتي فقدنَ أزواجهنَّ ببراميله وصواريخه، وبمشاهد النسوة القابعات تحت الخيام المهترئة يفقدنَ أدنى مقومات الحياة، الأمر الذي يؤكد أن النساء اللواتي يتسلمنَ مناصب حكومية أو وزارية أو حتى يلتحقنَ بالجامعات ويدرنَ بعض الشركات، لسنَّ في الحقيقة سوى واجهة أمام العالم على أنَّ نظام الأسد يُعطي المرأة كامل حقوقها، فتلك الأمور ليست مقياسًا لتحرر المرأة وانفتاح المجتمع الفكري إنما هي حقوق مشروعة لها.