بقلم محمد ضياء أرمنازي
بدأت معظم المؤسسات الثورية والمدنية بتأمين كميات كبيرة من المواد الغذائية الضرورية للبقاء والصمود في حال تمَّ الحصار، وتقوم هذه المؤسسات بتخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية في مستودعات داخل المدينة، لتكون المصدر الوحيد للغذاء في حال قطع الطريق الوحيد عن المدينة.
لكن هنا يأتي السؤال الأول الذي يلي هذا التصرف وهو: إلى متى سوف تبقى هذه المواد صالحة للاستهلاك؟
وسوف يتبعه السؤال الثاني: إلى متى ستبقى هذه المواد؟ ومتى سوف تنتهي؟ ” فالذي لا ينبع ينفذ” مهما كانت كميته، فهل من الصواب أن نقوم بتخزين المواد الغذائية فقط؟
أم يجب علينا البحث عن موارد أخرى للغذاء؟ الجواب: يتوجب علينا ذلك، كإقامة المشاريع الإنتاجية البسيطة التي تتناسب مع طبيعة المنطقة، والاستفادة من جميع المواد الموجودة والمتوفرة داخل المدينة.
لنأخذ على سبيل المثال التجربة الغزاوية الناجحة في كسر الحصار الذي فُرض عليها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
لقد حفر الغزيون الأنفاق الطويلة بسواعدهم، لكي يكسروا الحصار المفروض عليهم، ولتكون عبارة عن رئة يتنفسون منها، ويُدخِلون عبرها مختلف المواد التموينية، وغيرها من المواد المهمة، وقد حفر الغزيون أيضاً البرك المائية، لكي يزرعوا فيها الأسماك، وعملوا على توفير البذور السمكية، وكان منها سمك البلطي والقراميط، وتوجهت بعض المحطات إلى إنتاج أنواع أخرى من الأسماك، وكان هذا المشروع لإيجاد البديل الغني بالبروتين الحيواني، ونجحوا في إنتاج الإصبعيات من السمك، ووزعت على المزارعين أصحاب البرك المائية بأسعار رمزية، وذلك بعد عقد دورات إرشادية شاملة.
وقد لاقت زراعة فطر عيش الغراب في غزة قبولاً كبيراً، وقد بلغ إنتاج الفطر خلال عام إلى ما يقارب 700 سلة، وعملوا في تربية الأرانب المنتجة للحم، والتي بدورها تلد كل أربعين يوما، ولا تحتاج إلى غذاء محدد، فهي تأكل ممَّا تنبت الأرض ومن فضلات الخضار.
هكذا نجحت التجربة الغزاوية في كسر الحصار رغم شح الإمكانات.
وفي مدينة حلب يقوم المجلس المحلي حالياً بعدة أعمال للتصدي لأي حصار محتمل، يقول رئيس المجلس بريتا حاجي حسن: “الكل يعلم أنَّ الطريقة الكلاسيكية للتخزين لا تفي بالغرض، لكنَّها تكفي لفترة زمنية محددة، وقد قام المجلس المحلي بوضع خطة لتخزين التمور، بالإضافة إلى تخزين المواد الجافة والمعلبات من اللحوم ضمن خطة طوارئ، أمَّا الشق الثاني من العمل: فهو الشق الزراعي الذي أدخل من جديد إلى المدينة، والذي دخل حيز التنفيذ مباشرة.”
يقول المهندس الزراعي مصعب الخلف عضو المجلس المحلي:
“عندنا مخزون من البذور الزراعية المعقمة الصالحة للاستخدام لأكثر من سنة، تمَّ جلبها من المؤسسة العامة لإكثار البذار، و وزع جزء منها على سكان أحياء مدينة حلب عبر مجالس الأحياء.
وعند سؤالنا إيَّاه عن أنواع الزراعة أجاب: “نعمل على الزراعة الطابقية، أو ما يسمى (بزراعة الفلينات) وذلك لتخفيف العبء والتكاليف على المواطن، أمَّا بالنسبة إلى الأبنية الأفقية، فقد قمنا بزراعة مساحات صغيرة وحدائق منزلية، ويوجد مساحات وحدائق في مدينة حلب تمَّ استخدامها للزراعة.”
أمَّا عن الاستعداد على صعيد الثروة الحيوانية أجابنا الأستاذ بريتا:
“تمَّ تقديم مشروع لتربية الأسماك والأرانب والدواجن، لكننا نرى صعوبة في تأمين الثروة الحيوانية، لقد استفدنا من تجربة شخص كان يُدخل الأرانب إلى الغوط الشرقية المحاصرة، لكن للأسف كانت آخر كمية موجودة عنده قد أعطاه للريف الشمالي، واُدخل إلى مدينة حلب فقط 128 أرنب، أمَّا عن الأسماك فتربيتها سهلة جدا، لكننا لم نستطيع جلب كميات كبيرة منها، ويبقى أخيراً موضوع الدواجن، للأسف لا يوجد عندنا كفاءات مؤهلة للعمل في موضوع المداجن، لكن ما يلزمنا نحن هو الدجاج البلدي، لكننا لم نستطع تأمين كميات كبيرة منه.”
في ضوء ما تقدم سنتكلم حول بعض النقاط التي رأينا فيها بعض التقصير غير المتعمد،
أولاً: عدم جلب أنواع معينة من البذور، كبذور الذرة الصفراء التي تستخدم في صناعة الخبز، وبزور البندورة البلدية والخيار البلدي التي يستفاد من بزورها الدائمة الإنتاج
ثانياً: كانت النسب قليلة على نحو ما أشار إليه رئيس المجلس المحلي، كعدم تأمين كمية كبيرة من الأرانب والأسماك وأيضاً الدجاج البلدي
ثالثا: يجب علينا تسخير جميع الطاقات والمواد المتوفرة في الداخل الحلبي، للتصدي لأي حصار محتمل، ولكي يصبح المجتمع منتجا ويكون اعتماده على الاكتفاء الذاتي.