بقلم: مصطفى محمد
لم تكن حالات النزوح الجماعي الذي طال معظم المناطق السورية نتيجة هذه الحرب هي نهاية جرعات الألم التي تجرّع مرارتها النازحون، ففي محطات تشريدهم التي لا يُعلم إذا ما كانت الأخيرة بالنسبة إليهم، برز عندهم من يبتز ضعفهم وعوزهم من خلال فرض السيادة عليهم من قبل أولئك المتسلقين والمستغلين لنتائج كارثية تلقي بظلالها على شريحة واسعة من أهل السنة.
فلم يتخلص النازحون من هاجس التسلط على مفاصل معيشتهم اليومية بعد، على الرغم من كل تلك التكاليف الباهظة التي دفعها السوريون، وآخرها خسارة كل أملاك النازحين قصفاً ودماراً.
وعلى هذه الحال نجد سكان المخيمات السورية بين مسوّدٍ فيها؛ وهم قلة تملك مقاليد جميع الخيرات بين آمر ومأمور، وبين مستأمر فيها وهم السواد الأعظم الذين يُستثمر وجودهم لبقاء هؤلاء المسوّدين.
فقد ادعَوْا للأهالي أنهم نصبوا انفسهم قيّمين على رقاب الناس بحجة مصلحتهم،، وبذريعة أنَّهم يمكن أن يساعدوهم في تخطي محنتهم بعد النزوح.
حيث عمل من يسمى “مدير المخيم” والذي يصفونه الأهالي: ” إنما جاء المخيم حاف عار، ولم يكن معه ما يقتات به”، على السعي الحثيث لقيادتهم، باعتباره له اليد الطولى في التواصل مع المنظمات، والقدرة على جلب الدعم والإغاثة لهم.
وبالفعل استطاع مدير المخيّم أن يتواصل مع المنظمات، وأن يستورد الدعم الإغاثي وتوزيعها بين الناس.
وبما أن المنظمات الداعمة إنما تعطي الإغاثة على أسماء قد تم رفعها لهم من قبل، كان هذا أحد المنافذ التي يتم الكذب والتدليس من خلالها، إذ إنه يتم رفع عدد معيّن غير حقيقي من الأسماء مخالف للعد الحقيقي الموجود على الأرض.
وفي لقاء لصحيفة حبر مع أحد ساكني المخيمات في الشمال السوري والمدعو أبو علي، حيث تحدّث عن الإغاثة وطرق توزيعها، وعن الإدارة وصلاحياتها قائلاً:
” مع الأسف لم توكل الأمور لأهلها الحقيقيين، ولم يؤخذ رأي الناس في من يديرهم، بل خضعوا لإدارات لم يرضوا عنها”.
وتابع أبو علي بقوله: ” عندما هُجّرنا وجئنا إلى هذه المناطق، كنا حفاة عراة، فاستقبلتنا المنظمات بمتاع قليل ووعود كبيرة، حتى ظننا بأننا سنبدل بدار خيراً من دارنا، وحكومة خير من حكومتنا”.
ونوّه أبو علي إلى نشأة مدراء المخيمات بقوله: ” عندما استقبلتنا المنظمات، وقامت شبه مؤسسات في المنطقة كالمحاكم وغيرها، دُعِمَ أولئك من قبل الفصائل المتواجدة هناك ونصبوهم علينا رؤساء مخيمات وساروا بفلكهم، ومن هنا بدأت المعاناة، حيث لم ننل ربع مستحقاتنا”.
وذكر أبو علي أن الحياة من ظلم إلى ظلم حيث قال: “خرجنا على ظلم النظام لأننا لم نجد العدل، لكن عندما أتينا للمخيمات ظننا أن الأمر سيكون إلى خير، ولكن ظننا لم يكن في محله.
وأنهى أبو علي كلامه عن الحل المتوقع لمشاكلهم بقوله: ” إذا لم ينته السارق عن سرقته، وفعله السوء بدافع شخصي، فإنه يريد جهة رسمية تحاسبه ولا تسكت عنه وتدعمه”.
ولكن ومن جهته قال المدعو أبو الحسن والذي يعمل كمدير لأحد المخيمات: ” نعم الأغلبية من مدراء المخيمات جاؤوا حفاة عراة ليس بيدهم شيء، كما جاء الناس، ولكن بعضهم ممّن أعرفه معرفه شخصية كوننا نجتمع بشكل دوري، جاء ومعه ما يقدر ب 3 ملايين ليرة، وهذا فتح له المجال كي يشتري لابتوب وموبايل وأن يركب سيارة ليسهل عليه التحرك في الداخل وبين المنظمات، وبهذا استطاع أن يأخذ دور في المخيم نحو القيادة”.
وأردف قائلاً: ” هذا حال بعضهم، ولكن الأغلب سعى في جمع مال ليستأجر أرضاً وينشأ مخيماً عليها، فيكون ماله ممثلاً لرأس المال، وينتهي أمره بمشروع تجاري رابح”.
وحول رأيه في كلام الناس، قال: ” أنا لا يهمني كلام الناس، وقد أعلنتها أكثر من مرة مع عدد من المدراء، إنني لست ملتصقا بالإدارة وعاشقا لها، فمن كان يجد في نفسه القدرة على تحمّل مسؤوليتها فليتفضل وليستلم وليأخذ حصة الإدارة”.
وعلى ذلك الحال المزدري يستمر وضع النازحين في المخيمات بين أخذ ورد، فسوء إدارة من جهة، وانتقاد لها مشيرين إلى فسادها من جهة أخرى، والكل يأمل الحل القريب إن كان هناك جهة مسؤولة وعادلة تحس بمعاناة الناس الضعفاء عن تلك المخيّمات، ولا أظنّ أن تلك الجهة موجودة.