حياةٌ مزدحمة بلا معنى، عزلةٌ اجتماعية رغم دوام التواصل، انشغالٌ بلا فائدة، تقصيرٌ بحق الأقارب والأصدقاء، ندرة القرّاء، تقليد أعمى، قلة عبادة، أهل لا يتحدثون مع أبنائهم، أبناء لا يطيقون الحديث مع أهاليهم!
كل ذلك وأكثر جاءنا من الأجهزة الذكية التي شغلتنا طوال الوقت ومن وراء ذلك نسينا لغة الكلام والتعبير بالصوت والإيماءات، هجرنا لغة العيون إلى لغة عالم مجنون، تتنقل فيه أصابعنا بين حروف جامدة صغيرة، وبالمقابل تخبو مشاعرنا وتغيب أصواتنا يوما بعد يوم، فأصبحنا نحن البشر وكأنّنا كائنات غبية تحمل أجهزة ذكية.
في البيت طفلٌ لم يتجاوز الثانية من عمره يصرخ ويهدد إذا لم تعيد له الجوال، وفتاة في الصف السادس الابتدائي تملك جوالا ًخاصاً بها ولديها جميع برامج التواصل الاجتماعي، والأسوأ من ذلك كلمة مرور لا أحد يعرفها غيرها.
ما هي النتائج المترتبة على ذلك برأيكم؟ الجميع يعرف ولا حاجة لي للتنظير عليكم.
عزيزي الأب إذا لم يملك طفلك جهازاً ذكياً فهو ليس محروماً، بل على العكس فأنت بذلك تمنحه الحياة السوية.
عزيزتي الأم انشغالك عن أطفالك بجوالك سيجعلك تندمين على كلِّ لحظةٍ لم تمضيها معهم ولم تستمتعي باللعب بصحبتهم ومنحهم حنانك الذي يحتاجونه في كل ساعة من حياتهم الذكية.
هل يقرأ طفلك في كتاب؟ هل له موهبة غير ألعاب الجوال؟ هل تتحدثين إليه كثيراً، وتروين له الحكايات؟
ماذا سيتذكر أطفالنا منا غير أننا كنّا نصرخ في وجوههم ونحن نلعب ألعابنا المفضلة على الجوال ونتابع الحديث مع أصدقاء افتراضيين قد تكون حتى أسماؤهم غير حقيقية.
مهلاً يا أصدقائي الصغار لا تحزنوا ففي يد معظمكم جوال يلهو به، اصنعوا عالمكم بأنفسكم ودعونا لألعابنا ولهونا.
سوف تصرخ الأجهزة الذكية في وجوهنا “كفوا، وتوقفوا”، ولكن لن نكف ولن نتوقف، لقد دخلنا في الدوامة ولا يمكن للجميع الخروج منها.
قلةٌ هم من يستخدمون الأجهزة الذكية بذكاء وحكمة أولئك خرجوا من الدوامة وانتبهوا لخطر مميت، كما توقف البعض عن التدخين ليحيا حياة صحية.
أما شبابنا، فللأسف أصبح أقصى طموحهم امتلاك جوال فاخر وعدد أصحاب افتراضيين أكثر في العالم الأزرق، وربما أكثر من خمسين بالمئة من أصحابنا على “الفيس بوك” لا نعرفهم أو لم نرهم قط! تركنا من هم أحق بالصحبة، الوالدين والأخوة والجيران والأصدقاء الحقيقيون وتوجهنا نحو الافتراضيين.
نعم، هذا طبيعي وأسهل وغير مكلف أيضاً وبدلاً من أن تغلق الباب في وجه صديق حقيقي يمكنك الآن أن تغلق حساب صديقك الافتراضي بضغطة زر.
الأغرب والأعجب أنّنا حتى عندما نزور أصحابنا في بيوتهم لا نتوقف عن الدردشة مع الأصحاب الآخرين عبر الشاشة الصغيرة، وحين ندخل بيتاً ليس فيه (انترنت) يكاد يغمى علينا، فماذا سنتكلم طوال الوقت؟ وكيف يمكن أن نحيا أساساً دون (نت)؟! وبذلك نسينا كرم الضيافة وحسن الاستقبال واستبدلناه بـ (كلمة المرور)
بدلاً من كلمات الحب والحضور.