صهيب إنطكلي |
اكتشفت مصادفةً حينما استعرضت ميزات برنامج التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ميزةً تمكّنني من معرفة الوقت الذي أقضيه عليه؛ دخلت التوقيت للمرّة الأولى يصحبني فضولٌ وترقّبٌ؛ فشعرت بالدهشة والحزن وأنا أتتبع وقتي الذي قضيته خلال أسبوعٍ؛ أخبرني (الفيسبوك) أنني قضيت ما يقارب العشرين ساعةً معه.
حقيقةً تفاقم حزني وشعرت بالخيبة؛ فكنت أظنّ أني لا أستخدم الإنترنت بشكل مفرطٍ كغيري؛ ولكنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئًا؛ قلت في نفسي: “هذا الوقت الذي قضيته على (فيسبوك) فقط؛ فماذا لو جمعت أوقاتي التي أقضيها على كلّ البرامج مجتمعة؟” ربما أنّكَ يا قارئي الكريم ستشعر بصدمةٍ قويّةٍ مثلي إن كنت ممّن يقدّرون قيمة الوقت؛ حقًّا نحن نقضي أوقاتًا طويلةً من أعمارنا نحدّق في شاشات هواتفنا الذّكيّة جدًّا؛ لدرجة أنها تجذبنا بطريقةٍ ساحرةٍ؛ إنّنا لا نكاد نجد وقتًا لا لعمل دنيا ولا لعمل آخرة؛ فلا متّسع من الوقت للصّلاة بخشوعٍ وتدبّر؛ ولا وقت للأذكار بعدها؛ ولا لصلاة نافلة؛ إننا لا نجد وقتًا لقراءة القرآن وتدبر معانيه؛ لا نجد وقتًا لممارسة رياضةٍ مفيدةٍ كالمشي نصف ساعةٍ كلّ يوم؛ لا نجد وقتًا للقراءة؛ فلقد نسينا طعم الكتب القيّمة منذ زمن؛ لا وقت للحوار مع زوجاتنا؛ أو للعب مع أطفالنا؛ أو الاهتمام بتعليمهم وتربيتهم؛ ونحن نقضي معظم يومنا بعيدين عنهم؛ لا وقت لدينا إذًا لأيّ خيرٍ عميمٍ أو عملٍ مفيدٍ؛ ولكننا، على الضّفة الأخرى، نجد كل الوقت لاستعراض هواتفنا دون هدفٍ ودونٍ وعيٍ كأنّنا مسلوبو الإرادة.
في عملي أحببت اليوم أن أنصح زملائي: فقلت لسالم: “تعرف ميزة وقتك على فيسبوك؟ ما رأيك نعرف كم تقضي عليه؟” نظر إليّ للحظة ثم عاد للتّحديق بهاتفه دون أن يتفوّه بكلمة؛ وبعد أن ألححت عليه؛ قال: “لا أعرف؛ ولا أريد المعرفة، قضيت ساعة أو ألف ساعة؛ ماذا عندي ؟!” صحيح أنني شعرت بالضيق من ردّ صديقي؛ ولكني تعلمت من جوابه أنّ أهمّ سببٍ لإضاعة وقتنا على هواتفنا أنّنا أصلًا لم نحدّد لأنفسنا هدفًا نسعى إليه أو عملًا نافعًا نقوم به؛ ولذلك نحن نضيع أيامنا على اللاشيء؛ نمرّر أصبعنا على الشاشة؛ وننقل (البوستات) ربما دون أن نقرأها؛ إنّنا غالبًا نتصفّح دون هدفٍ؛ ودون غاية؛ فأغلبنا مستخدمٌ بالمعنى السّلبي؛ والطامة الكبرى أن البعض أدمن المسلسلات والأفلام التي يوفّرها اليوتيوب مثلًا بشكلٍ كبيرٍ؛ فتراه يقضي جلّ وقته يتنقل بين الحلقات الّتي لا تنتهي أبدًا.
ربما قليلٌ منا عرف الاستخدام الإيجابيّ للشّبكة العنكبوتيّة؛ فحدد غايته من استخدام برامجها المتنوّعة مسبقًا؛ كأن يكون باحثًا يجمع أفكارًا عن موضوعٍ معينٍ؛ أو طالبًا جامعيًّا يعمل على بحثٍ فيجمع موادّ إلكترونيًّا؛ أو كاتبًا شابًا يُثري تجربته بقراءة إبداعات الكتّاب العظام؛ وربما نستخدم (الواتس) مثلًا لنصل أرحامنا في زمنٍ عزّ فيه اللقاء المباشر؛ ونقضي حوائجنا؛ وما إلى هنالك من أوجه الاستخدام الإيجابيّ الواعي.
من المواقف الطريفة التي صادفتني أن أحد أصدقائي الكُتّاب وفي أحد لقاءاتي معه تفاجأت بأنّ هاتفه المحمول لا يحتوي على (فيسبوك)؛ استغربت أنّ كاتبًا مبدعًا تُنشر قصصه على مواقع التواصل الاجتماعيّ وأهمها الفيسبوك؛ لا يُتابع الفيسبوك؛ لفتني ذلك؛ سألته عن السبب؛ قال: “إنّه كان يأخذ من وقتي الكثير؛ يمكن أن أتابع ما يُنشر فيه الآن من رابطٍ على الواتساب أو غيره عند الضّرورة؛ بعد إلغائه أصبح لديّ وقتٌ إضافيٌّ لأقرأ أكثر وأنمّي موهبتي؛ وأثري معرفتي؛ وأمارس الرياضة أيضًا.” أعجبت برؤية صديقي واقتديتُ به.
هي ليست دعوةٌ منّي لأن ننقطع عن برامج التّواصل الاجتماعي من على هواتفنا؛ ونتقوقع حول ذواتنا؛ لا أبدًا؛ ولكنها دعوةٌ إلى استخدامها بذكاء؛ والإجابة على أسئلةٍ مثل: ماذا نريد من هذه البرامج؟ وهل تستحقّ أن تأخذ من أعمارنا كلّ هذا الوقت؟
هي دعوةٌ لأن نجد وقتًا للكثير من الأشياء المفيدة في حياتنا؛ ونحافظ على أعمارنا التي سنُسأل عنها يوم القيامة.