إن أصحاب الحق يلتفون حول حقهم، يحمونه بأرواحهم، يدافعون عنه بكل قوتهم ويسوِّرونه بالتضحيات .. ولديهم رسالة واحدة، أن يصل هذا الحق للجميع.
لا أستطيع أن أفهم أولئك الذين يدَّعون أنهم يحملون الثورة وقيمها في قلوبهم، ثم يحترفون المزاودة تجاه الآخرين، فقط لأن حناجرهم كانت سبَّاقة إلى صرخات الحرية والكرامة، أو لأنهم قدموا تضحياتهم الكبيرة بينما صمت الآخرون.
كيف لفهمهم للحرية ألَّا يتسع لخيارات أولئك الناس؟! وكيف للعدالة والحق الذي ينشدونه ألَّا يشمل إرادة جميع من لحق بهم مهما تأخر الزمان.
من أكبر أخطار الثورات، إذا لم تُحصَّن بالوعي، سيطرة الفوقية التي تمنحها لجنودها الأوائل، أصحاب التضحيات وآباء الصرخة الأولى، وكأنهم صرخوا من أجل حريتهم فحسب، وقدموا التضحيات ليتخلصوا وحدهم من سطوة الطغيان، بينما الآخرون عليهم أن يعيشوا طغيانًا جديدًا تُعيد تشكيله الثورة بقيمها الجديدة، حيث الحرية لا تتسع إلا لمن ناضل في سبيلها، أمّا أولئك المساكين الضعفاء، فهم العبيد مطلقًا، سواء في دولة الاستبداد أو في دولة الحرية المزعومة.
مؤلمة جدًا تلك المنشورات الكثيرة التي سخِر أصحابها من حراك السويداء، وقلّلوا من شأنه، ورفضوا الاعتراف بأحقيته، ونسبوه للجوع لكيلا يَشتبه بثورة الكرامة خاصتهم، وكأن الكرامة لا تتسع لسواهم!
أيّ كرامة تلك التي تهين الآخرين، وتعطي لنفسها الفوقية عليهم، أيّ كرامة تلك التي لا تمنح للجائع حق الصراخ في وجه من سرقه فقط لأنه التزم الصمت يوم صرخ أصحابها! أيّ كرامة تلك التي لا تُقدّر ضعف الناس وظروفهم وحرياتهم وخياراتهم وقناعاتهم وتصوراتهم… وتريد أن تجبرهم على طريقها الشاق!
مؤلم جدًا أن يجد أهل السويداء أنفسهم أمام خصمين، أحدهما يريد قتلهم واستعبادهم، والآخر هو نحن الذين نعدُّهم في مرتبة أدنى، ونرفض وقوفهم إلى جانبنا في مسيرة الحرية والكرامة.
هذه البلاد لكل أهلها، لكل الذين صرخوا في سبيلها أو حتى الذين استكانوا للظلم والطغيان، وإن الثورة التي تريد أن تفرِّق بينهم وتجعل بعضهم فوق بعض، هي ثورة لا يُرتَجى أن تنتصر؛ لأن نهجها لا يختلف عن نهج الطغاة والمستبدين، أمّا الثوار الحقيقيون الذين يفهمون معاني الحرية والكرامة والعدالة، فهم أولئك الذين يحملون مشاعل النور لكي يبصر الآخرون حتى لو أحرقتهم وحدهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي