يوسف القرشي
أعظم مقصد من مقاصد الزواج هو إنجاب طفل يوحد الله وينفع الإنسانية، فمن الطفل؟ الطفل هو رجل أو امرأة سيثمر لينفع الأمة – بإذن الله- في الغد، هو أعجوبة دفينة تتهيأ لامتطاء الطبيعة وتسخيرها لخدمة عباد الله مستقبلا.
الطفولة هي الناطق الحقيقي باسم الإنسانية لمن اعتنى بها، فكيف نعتني بالطفل؟ وكيف نحصد ثمرا طيبا من شجرة طيبة فيما بعد؟ هذا ما سنتعرف على شيء منه في مقالنا هذا.
لقد أكدت دراسات علمية وتربوية أنَّ السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصيته وحفر طباعه، فيها تكون عقلية الطفل كعجينة لينة نستطيع أن نقولبها كما نشاء، ثم لا تلبث بعد ذلك أن تقسى وتتحجر، فهي مرحلة حرجة ومهمة في حياة الطفل، ويجب ألا ندع الظروف هي من تتولى صياغة الطفل بل معرفتنا نحن، وهذه المعرفة تزدان بأمور لا بدَّ من معرفتها لدى المربين منها:
1- المصادر التي يتلقى عنها الطفل والتي تكون خياله: عندما يولد الطفل يدفعنا الإسلام إلى رفع الأذان في أذنيه، وكأنَّه يعلمنا أنَّ العناية التربوية به قد ابتدأت، وأنَّ كلَّ ما سيسمع أو ما سيدرك سيترك فيه تأثير سواء أدركناه أو لا، لا ينبغي أن نستهين بذلك التأثير أو نفعل العكس كما البعض، فمنهم من إذا أتعبه بكاء الطفل رفع له صوت موسيقى ليسمع فتتعود أذناه على ذلك، ومنهم أول ما يظهر على الطفل استجابة مرئية – أي يبدأ التمييز بواسطة عينيه ويستجيب بناء عليهما- يتركه للتلفاز، فينشأ الطفل وقد أخذ عن التلفاز أشياء تنافي الفطرة والدين، واختلط لديه (الحابل بالنابل) وهذا يجب أن يترك، وما أجمل وأنفع أن نستعيض عن ذلك بآيات القرآن الكريم نربي الطفل على سماعها منذ الصغر كي تحفه الملائكة وتلامس بشاشة قلبه النفحات القرآنية، حتى إذا بدأ بفهم الكلام نقرأ عليه بعضا من قصص الأنبياء وما فيها من عبرات، نريه الحياة العملية ونوكل إليه مهمات – مهما تناهت في الصغر – لنعلمه أنَّه قادر على تحمل المسؤولية وأنَّه أهل لأن يكون.
2- تحديد مواهب الطفل: من المهم للغاية أن نستطيع تحديد قدرات الطفل وأماكن الإبداع فيه، ونعمل على تنميتها وتطويرها وتشجيعه على الاعتناء بها ما دامت تعود بالفائدة عليه، كي نستثمر مستقبلا تلك المواهب الدفينة.
3- التعامل مع أخطاء الطفل: لن يتعلم الطفل ولن يثبت قدمه على طريق الحياة ما لم يخطئ، فكيف نتعامل مع أخطائه؟ أكبر مشكلة قد نقوم بها هي أن نوهم الطفل أنَّ الخطأ فيه وأنَّه مغناطيس للمشاكل، وهذا يكون عبر استخدامنا مجموعة من العبارات التي تترك أثرا كبيرا على نفسيته دون أن ندري، فمثلا: إذا كذب الطفل فلا يصح أن نقول له: ” أنت غير جيد لأنَّك كذَّاب ” بل نقول: ” الكذب خصلة غير جيدة ويجب أن تتخلص منها وأنت قادر على ذلك ” صدقوني مثل تلك الملاحظة وحتى لو بدا لنا أنَّها بسيطة لكنَّها تترك أثرا عظيما فيه، ولا ننسى أنَّ للكلمات قوة لا يستهان بها.
4- الضرب العنيف ألا يطاله الانقراض؟ المفعول السريع للضرب يترك أيضا آثارا سريعة لكنَّها دائمة وفي مقدمتها البلاهة والتردد، فمتى سندع هذه العادة التي لا تنتمي للإنسانية بأي صلة، اسأل الأب الذي يدمي ابنه: هل طفلك مسمار لا يتجاوب إلا إذا دك؟!
5- الابتعاد عن المقارنة: بعض المربين يتركون أثرا سلبيا في الطفل من دون أن يعلموا؛ وذلك عندما يقومون بمقارنته مع أحد أصدقائه الأشد اجتهادا أو الأنشط في مجال ما، فمثلا يقولون له: ” انظر إلى زيد، علاماته أفضل منك، يساعد أمه في البيت، يجب أن تصبح مثله! ” هنا يشعر الطفل بالتقزم وأنَّه بات أسفل السلم، وسوف ينصرف إلى الكراهية والحقد بدلا من التحسين، والصحيح أن نوجِّه الطفل دون ذكر أمثلة أو مقارنات كي لا نكون كمن قيل فيه المثل (بدو يكحلها قام عماها)
وفي النهاية على الأبوين أن يكونا صديقين للطفل، يفتح لهما خزانة أسراره، يراهما عونا وسندا في مواجهة تعثراته، لا يدا تمسك العصا وترتقب خطأه لتنهال عليه، فالعناية العناية بطيور الجنة كي نحصد غدا زرع اليوم الطيب.