بقلم: د. أسامة قاضي
يعيش ما تبقى من “الاقتصاد السوري” حالة من استنزاف الموارد والثروات المالية والبشرية، ما جعله اقتصادًا هشًّا وحساسًا لأي تغيرات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، فضلاً عن التخبط في السياسة النقدية، الأمر الذي يجعل من أي سعر لليرة السورية غير حقيقي، مستندًا إلى الضبط الأمني وليس إلى الأداء الاقتصادي الرديء في ظل تأخر الحل السياسي واستمرار الآلة العسكرية في سحق الشعب السوري، خاصة بعد أن تخلت الحكومة عن دعم أي عملية استيراد، اللهم إلا بعض السلع الضرورية والمحدودة حسب التعميم ٨/١٨٠٤ بتاريخ ٢٩/٤/٢٠١٩.
وقامت الحكومة بتثبيت سعر غير واقعي وهو ٤٣٤ ليرة سورية للدولار، ومع عدم توفر إلا النذر اليسير من القطع الأجنبي بهذا السعر في المصرف المركزي فإن المستوردين مضطرين للجوء إلى السوق السوداء، إذ وصل سعر الصرف فيها الأسبوع الماضي إلى 612 ليرة للدولار الواحد، وهو سعرها الفعلي بعيدًا عن هيمنة المصرف المركزي.
ورغم المعالجات الأمنية للسوق السوداء عن طريق “هيئة مكافحة غسل الأموال ” لكن يصعب ضبط الحاجة الماسة لتمويل المستوردات فالرقع اتسع على الراقع.
فضلاً عن تفهم أن تسديد بعض الديون الائتمانية وغيرها يكون في نصف السنة وآخرها، مما يزيد الطلب على القطع، ولكن عودة المزيد من المناطق لسيطرة النظام قد زاد من حجم الطلب ومسؤوليات النظام الاقتصادية من ناحية، وحرمها من بعض التحويلات التي كانت تصل الأهالي جراء التهجير من ناحية أخرى، إضافة إلى بث المزيد من الذعر في السوق خاصة مع إدراج شخصيات ومؤسسات في قائمة الحظر والمقاطعة الأمريكية التي تعِد بأن تَكون بالمرصاد لمن يتعامل مع النظام السوري قبل الحل السياسي في شأن إعادة الإعمار، الأمر الذي يُربك أو يعطل تحويلاتهم المالية لبناء مشاريع داخل سورية، والتي كان آخرها قائمة (سامر الفوز) وآخرين معه، ممَّا يُبدد جهود الحملات الإعلامية في رسم ملامح وردية للإعمار والأمان قبل الحل السياسي.
وكذلك مع ازدياد حدة المقاطعة على حلفاء النظام وخاصة إيران، دفع لزيادة الطلب على القطع الأجنبي الشحيح أصلاً، علمًا أن قيمة الليرة هبطت نصف قيمتها منذ دخول القوات الروسية الداعمة للنظام في ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥ من ٣٣٦ إلى ٦١٢ ليرة للدولار في الحد الأعلى كما سُجل خلال الأسبوع الماضي.
كذلك فإن حجم الكتلة النقدية المحلية قد لا يكفي لتنفيذ سياسات الحكومة العسكرية والأمنية، وتنفيذ بنود موازنتها البالغة ٣٨٨٢ مليار ليرة سورية، ولتلبية احتياجات السكان من سلع وخدمات محلية محدودة أصلاً بسبب استمرار الخيار العسكري دون الحل السياسي، لذلك فسيكون اللجوء إلى طباعة العملة لضخ المزيد من النقد المحلي هو الخيار شبه الوحيد الأمر الذي سينتهي للأسف للمزيد من التضخم وزيادة معاناة ما تبقى من سوريين داخل سورية، وأتوقع أن تكون موازنة ٢٠٢٠ تقترب من ٥ تريليونات ليرة سورية، وهذا قد يحتِّم ضرورة استبدال العملة السورية فور الوصول إلى الحل السياسي ودوران عجلة التنمية الاقتصادية وبدء مسيرة الإعمار الحقيقية لسورية، وإنَّ كل تأخر في الحل الحقيقي الديمقراطي العادل سيُساهم في تدمير واستنزاف ما بقي من ثروات سورية المادية والبشرية ويزيد معاناة كل شعبها.