درعا وحيدة اليوم كما بدأت، ليست وحدها وثوارها فقط من يعاني، بل وقعت قبلها مدن وبلدات كثيرة في تشابه متطابق لسيناريوهات القصف والاجتياح والتهجير والأمل بالداعم والداعمين الذي سرعان ما تؤول وعودهم إلى سراب، فالولايات المتحدة التي تعتبر إحدى أهم الدول التي تسمي نفسها من أصدقاء الشعب السوري ولعبت دور الضامن في اتفاق الجنوب تخلت عن تعهداتها للمعارضة برسالة لم تتجاوز أعداد سطورها سنوات الانجرار خلفها.
صفقة يريد أن يجريها ترامب مع بوتين كما كشفت وكالة cnn الأمريكية تنطوي على انسحاب القوات الأمريكية من الجنوب السوري، وقد أخطر بذلك ملك الأردن انطلاقاً من مبدأ المقايضة والتجارة وتبادل المرابح والمكتسبات، هذه الصفقة التي بدأت بدرعا أكدت رواجها صحيفتي “الأخبار والحياة” اللبنانيتين بأن ترامب سيسعى لتطوير صفقة القرن المزمع إبرامها بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتكون صفقة إقليمية شاملة تقايض فيها الولايات المتحدة روسيا على إطلاق يد الأخيرة في سورية بشكل كامل كمنطقة نفوذ خالصة مع بقاء بشار الأسد في السلطة مقابل تسهيل موسكو مرور هذه الصفقة وتحجيم نفوذ إيران في سورية.
أما المحور العربي المتبني خط الدول الداعمة للمعارضة فقد انسحبت بالتوازي من الملف السوري مع تراجع النفوذ الأمريكي لصالح ملفات أخرى باتت تشكل على كاهل الدول العربية عبئا أكبر من حجم الملف السوري، فالأردن الرافض شعبياً وحكومياً لصفقة القرن (الأمريكية السعودية الإماراتية المصرية) بات اليوم بحكم المنخرط بها بعد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالحكومة الأردنية لسوء الأوضاع الاقتصادية التي أرجعها محللون وسياسيون أردنيون إلى تحمل بلدهم ما هو فوق طاقته بملف اللاجئين السوريين واستمرار إغلاق المعابر التجارية مع سورية التي تعتبر مصدر دخل لاقتصادها(ترانزيت)، فالمال الخليجي الذي تلقاه الأردن والزيارة المفاجئة التي نفذها العاهل الأردني والتي التقى فيها صقور الإدارة الأمريكية ترجمت فعلياً بإغلاق الحدود الأردنية وخفض مستوى لهجتها الدبلوماسية تجاه خطط ترامب في الشرق الأوسط لأنها تحمل مشاريع اقتصادية و استثمارية واعدة للمنطقة.
أما بالنسبة إلى بقية الدول الخليجية فقد بات الخطر الإيراني هاجسها السياسي والعسكري، وبات اليمن مصدر إزعاج لإمارات الرخاء، فأعادت ترتيب أولوياتها وأسقطت الملف السوري وبدأت بعضها بفتح أبواب مغلقة مع نظام الأسد ومنها الكويت والإمارات عبر فتح رحلات جوية مباشرة مع دمشق وتفعيل عمليات الترحيل للسوريين ذوي الإقامة غير الشرعية كما عبرت بعض الشركات الخليجية عن رغبتها بالاستثمار في سورية.
وبالنسبة إلى إسرائيل فهي أقل الخاسرين و أكبر الرابحين لأنها تتبع سياسة خاصة بالتعامل مع الملف السوري فهي ترى في ابتزاز نظام الأسد بالاقتراب من حدودها و موافقتها الضمنية ببقائه في السلطة أمراً ضرورياً لأنها بلد له تأثير قومي وتاريخي وسياسي ضارب في جذور المنطقة و لا يجيد أحد استخدامه لصالحها سوى الأسد ومن هنا تعمل إسرائيل على انتزاع اعتراف أمريكي بشرعية ضمها للجولان المحتل الذي سيكون ضمه لصفقة ترامب مستقبلاً أمراً عادياً بعد نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس في خطوة مثلت صفعة قوية للأعراف والقوانين الدولية وخصوصية القدس في السياسة العالمية.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن إلى متى سيستمر مسلسل انحسار السيطرة الجغرافية لفصائل المعارضة مع الدور السياسي والعسكري الفاشل الذي تؤديه؟ فبعد أن كانت ملف منافسة واستقطاب غدت ورقة ضغط ومساومة، وإلى متى سنستمر خارج التسويات والتفاهمات إقليمياً ودولياً؟!