سلوى عبد الرحمن
في زمن الحروب تنقلب موازين الحياة بكافة النواحي حتى في أدق وأصغر التفاصيل، ويكون لها آثارٌ غير مباشرة على المجتمع، وكان لأزياء السوريين وتسريحة شعرهم وطول لحاهم أنماطٌ مختلفة ودلائل ودوافع تتعلق بالزمان والمكان، وذلك تماشيًا مع اتجاهات الفصائل أو القوات التي تسيطر على المنطقة التي يعيشون فيها، فبات شكل تسريحة الشعر واللحية، وحتى الوشوم يراعى بها الاتجاه السياسي والديني الذي ينحاز إليه الشاب السوري.
يُجمِعُ الكثير من الرجال مدنيين و مقاتلين ممَّن يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة السورية أنَّ نَمطَ الزي، واللحى الطويلة، والشعر الطويل خلال سنوات الحرب، كان ما بين تطبيق السنة النبوية والفرض والاستحباب، ولم يجبر أحد على تطبيقها، إنَّما جاء ذلك على شكل دعوة كتشجيع للالتزام بالسنة.
عبد الله (27 عامًا) من إدلب وهو عنصر من أحرار الشام يقول لحبر:” كنت سابقًا أخشى من إطلاق لحيتي خوفًا من النظام الذي يأخذ لهذا الأمر مناحيًا واتجاهاتٍ سياسيةً تودي بنا إلى الاعتقال والمسائلة الأمنية، واعتبر هذا الأمر حريةً شخصية حاليًا، فما من ملاحقات أمنية في إطلاق اللحية أو حتى الشعر في مناطق المعارضة”.
الملاحقات الأمنية والسياسة الممنهجة والواضحة في محاربة المتدينين منذ عهد الأب حافظ الأسد كانت دافعًا للكثيرين لحلاقة شعرهم ولحاهم قبل خروجهم من حلب المحاصرة إلى مناطق النظام، الأمر الذي يفسر رمي النظام عبر طائراته شفرات حلاقة ومناشير تدعو المواطنين للعودة إلى حضن الوطن بدون لحى، كنوع من الاستفزاز أو التحذير لمن يعتبرهم النظام من ذوي التوجه الديني المتشدد المرتبط بالقاعدة، في حين كان المحاصرون بحاجة ماسة إلى المواد الغذائية والطبية.
وقد يتعلق موضوع إطلاق اللحى بدلائل أخرى، كاليأس والإهمال، فالقصف المتواصل من قبل النظام لبعض المناطق يخلف الدمار والموت، ويجعل معظم الناس في وضع نفسي سيء، ناهيك عن مآسي الحياة الكثيرة التي تدفع بعض الرجال إلى عدم الاهتمام بمظهرهم الخارجي، والانشغال بتأمين لقمة العيش، والبحث عن الأمان.
وكان للحلاق (مهند) في مدينة إدلب رأيٌ آخر: ” تتطور قصات الشعر من فترة لأخرى في العالم، لكن القصات المطلوبة حاليًا عادية أو سبايكي، واللحى خفيفة، أمَّا في وقت سيطرة النظام كان الشبيحة يطلقون لحاهم، أو يقومون بحفر أشكال وحروف على رؤوسهم خروجًا عن المألوف، كنوع من التمرد على الأنماط التقليدية لتميزهم عن غيرهم من السكان”.
ومع أنَّ الشبيحة وعناصر حزب الله يطلقون لحاهم ويرسمون وشوماً عنصرية على أجسادهم -والوشوم تاريخيًا ارتبطت بالمجرمين والمساجين- إلا أنَّه لم يتم تصنيفهم ضمن المنظمات الإرهابية بالرغم من ارتكابهم جرائم بحق الإنسانية، بالمقابل يتم استهداف عناصر من المعارضة تتبع لبعض الفصائل من قبل النظام وروسيا والتحالف، اعتمادًا على شكلهم الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر.
اللباس وقصُّ أو إرخاء الشعر في مناطق سيطرة المعارضة السورية حريةٌ شخصية بمعظمها للرجال، أمَّا النساء فالهيئات الشرعية تتحكم بلباسهنَّ وألوانها، إلا أنَّه لم يتم إحكام السيطرة على هذه القضية حتى اللحظة بشكل كامل، لكن يمكن تمييز مناطق المعارضة عن مناطق النظام، بأنَّ الرجال في الأولى أكثر التزامًا باللباس المحتشم واللحى الطويلة من الأخرى.
باتت الأمور المتعلقة بالمظهر الخارجي من زيٍّ وتسريحات وأسماء أيضا، مسألةً مرهونة بطرفي النزاع في الحرب السورية الدائرة منذ ما يقارب الست سنوات، لا علاقة لها بثقافة الشعب وحضارته بسبب الحرب الدائرة. إنَّ الأصل في لباس أهل الشام أن يكون فضفاضًا ومحتشمًا؛ لإخفاء تفاصيل الجسم بالنسبة إلى الرجال والنساء وفقًا لتعاليم الدين الإسلامي الذي يمثل الأغلبية السورية.