عمرو شامي
الصحافة باتت حاجة إنسانية ملحة في عصرنا هذا، تسقي العقل ماء زلالاً، لكنَّها في الوقت نفسه محفوفة بالمخاطر المادية والمعنوية؛ وأعظم خطر قد يلحق بها هو عدم إدراج أفراد المجتمع أي حساب لها.
قوة الصحافة ليست تكمن فقط في أنَّها تنقل الأخبار الطازجة للمتلقي وتقوم بتحليلها وتبسيطيها، قوة الصحافة الحقيقية تكمن في مقدرتها العجيبة على التحكم بمجريات الأحداث بل وتسييرها، لأنَّ التحكم بالعقول تحكم بأفعال الإنسان.
عندما فُكَّ حصار حلب الأول بدأت أسعار المواد الغذائية بالانكسار بشكل لافت، لكن بمجرد وصول خبر زائف – في البداية – إلى آذان التجار عن حصار ثانٍ؛ رأينا الأسعار قد حلقت إلى ما بعد مجرة التبانة، كأنَّ علبة السردين قد زينت نقوشاتها بماء ذهب عيار 24! أو بعض الخضروات قد تمَّ ريُّها بماء نهر الكوثر!
هذا مثال من أمثلة، وهذا على الصعيد المادي الحياتي، فكيف على الصعيد الفكري؟
الأطفال في مناطقنا المحررة هم أرض خصبة للأفكار حسنها وقبيحها، ومستقبلنا هو أولئك الأطفال؛ وتحكمنا بتلك الأرض يقوم عبر التحكم بإعلامنا، وآمن طريقة لذلك هي الإعلام المقروء الذي تكون فيه استجابات عواطف المتلقي طبيعية، ولا يحصل التركيز على عاطفة دون الأخرى.
فنحن نحتاج إلى جيل قادم قد تغذَّى على فكر غير مسموم، قد رأى وسمع ما حصل، لا ما يريد أصحاب المصالح له أن يراه ويسمعه، ونحتاج إلى جيل يعرف أسباب المشاكل الحقيقية لا الوهمية.
إنَّنا حين نعرف المشكلة بشكلها الصحيح نعرف حلها بالشكل الصحيح كذلك، وصدقني هذا لا يريده لك إلا ابن جلدتك، إلا من يعاني بمثل ما تعاني، أمَّا من يعيش في فنادق الخارج ويستمتع بوجوه الحسناوات ويتلذذ بأضواء الكاميرات؛ فصدقني لن يستطيع تحديد مشكلتك بشكل سليم.
لكن وعلى الرغم من ذلك، هناك الكثير من المشاكل والمعضلات التي نعاني منها قد كتبت في مقالات أو ألقي الضوء عليها في حوارات؛ لكنَّنا لم نأخذ بالحل ولم نتعالج بالدواء، لماذا؟ لأنَّنا لا نقرأ ولا نملك الجرأة على التغيير.
عندما نادت الحناجر بالحرية كانت على علم أنَّ هذا الطريق ليس سهلا، وأنَّ التغيير سيبدأ من ذواتنا، من عقلياتنا، وليس التغيير كلمة تقال وانتهينا.
حقيقة نحن نحتاج أن نقرأ، نحتاج أن نعقد صداقة جديدة مع الكلمات، أن نحاول أن نتغير؛ كلُّ ذلك لأجل أن نكون.