فراس مصري |
نعود قليلاً إلى بعض مشاهد التحضير لانتخابات مجلس الشعب 2007 ، حيث تحدثنا عن بعض تفاصيل التسلسل الزمني للعملية في الحلقة السابقة.
– في منطقة شارع النيل في حلب، مكتب صغير قررنا أن يكون غرفة عمليات لإدارة قائمة (محبي حلب)، وفي مدخل حلب الجديدة كما ذكرنا صيوان (خيمة كبيرة) لاستقبال المحبين والأصدقاء والمتعرفين والفضوليين والمخبرين.
– وفي يوم الانتخابات توزيع ما يزيد عن سبعمائة شاب وصبية بعمر الورد وقلب الياسمين محبين للتغيير آملين به.
– في سيرتي الذاتية التي وضعت على المطبوعات قام الصديق ( ي/ ن) بكتابة وصف عني وهو عبارة ناشط في منظمات المجتمع المدني، ويجن جنون أمين فرع الحزب بحلب (عبد القادر مصري) الذي لا أريد توجيه أي شتيمة له إكرامًا لأسرته الكريمة التي لا علاقة لها بموبقاته، جُنّ جنونه لأننا كتبنا عبارة منظمات المجتمع المدني، كأنها كهرباء صاعقة لمسؤولي البعث والأمن.
– وبالعودة ليوم الانتخابات، فقد بدأ يصلنا الكثير من التسريبات أن اجتماعات أمنية وحزبية كثيرة جرت، وتوجيهات صارمة لأمناء الشعب الحزبية الذي يشرفون على قطاعات المدينة الانتخابية، أنه لا يمكن وصول أحد أعضاء قائمة محبي حلب إلى مجلس الشعب.
– كانت الانتخابات على يومين، وفي ليل اليوم الأول اجتمعت غرفة العمليات لقائمة (محبي حلب) لتقييم العمل في اليوم الأول، ووجدوا أن الأمل الوحيد بالنجاح هو التعويل عليَّ كوني مرشح القائمة (أ) وفيها حدة التنافس أقل، مع أن التنافس فيها على كرسيين من أصل ما يقارب 30 مرشحًا، لكنها تبقى أخف وطأة من الفئة (ب) التي يُبذَل فيها الملايين، وعليه تم الاتفاق على عقد تحالفات في اليوم الثاني مع وكلاء مرشحين آخرين، يشترط فيها وضع اسمي مقابل وضع أسماء لهم، وتم اختيار الأكثر احترامًا من المرشحين للتحالف مع وكلائهم، وأؤكد أن التحالف مع الوكلاء على الصناديق وليس مع المرشحين أنفسهم، أي إجراء تكتيكي محض.
– من الأمور الطريفة أنه عرض علينا شراء (5000 أو 10000) لا أذكر تمامًا هوية انتخابية بمبلغ (25000) ليرة سورية عشية اليوم الثاني، وأن نقوم بتمرير هذه الهويات على العديد من المراكز الانتخابية ضمن اتفاق الـ (25000) ليرة سورية، لكن لماذا رفضنا؟! رفضنا لأننا أصلاً نخوض تجربة سياسية هي الأولى من نوعها يجب أن نكون فيها قدوة للمجتمع، ولا يجب أن نقوم فيها بعمليات تزوير ورشاوى وفساد، حيث إن هذه الأمور هي التي تميزنا عن غيرنا، وهي التي نريد تغييرها بداية في عملية تغيير المجتمع المنشودة.
كيف تُدار الأمور في يوم الانتخابات؟
– يقدُم الناخب إلى مركز الاقتراع، وغالباً يكون معه قائمته التي سينتخبها.
– من النادر أن تصل ورقة إلى الصندوق لا تحتوي على قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، علمًا أن هذا لا يهم، فمع فتح كل ورقة أثناء الفرز، وبغض النظر عمَّا فيها، تتلى أسماء أعضاء الجبهة ثم أسماء المستقلين الموجودين في هذه الورقة.
– بعد انتهاء فرز الأصوات تذهب نسخة مباشرة للجنة الأمنية في المحافظة التي تجتمع وتعطي التوجيهات بكيفية توزيع أصوات أعضاء الجبهة الوطنية التقدمية وبترتيب نجاح المستقلين حسب توجيهات القيادة القطرية.
– تعود السجلات الانتخابية التي نُقلت من المراكز الانتخابية إلى الشعب الحزبية (بغض النظر عن الصناديق) ويبدأ المُفرَّغون للأمر بنسخ نسخ جديدة من السجلات الانتخابية وفق أوامر اللجنة الأمنية، وهذه السجلات تحتوي على كل مركز وكل صندوق، مثلاً (مركز سادكوب – الصندوق رقم)
– بعد هذه الترقيعات تعود النتائج لقسم الأتمتة في المحافظة، وتُدوَّن في ملفات الإكسل وأيضًا، يوجد برنامج انتخابات، وتصدر النتائج كم أُرِيد لها.
– ممَّا حدث معي أن صديقي العزيز (ع / ر) كان هو المسؤول عن برنامج الانتخابات (الأتمتة) في المحافظة، فطلبت منه تفصيل الصناديق التي تخصني، وأرسل لي نسخة أكسل (للأسف ضاعت مني في هارد قبيل الثورة بفترة) وفوجئت بأن نتيجتي في (70) صندوقًا هي صفر! لكن ليست هنا المشكلة، فقد أخذت عينة وهي (مركز سادكوب) وفيه صندوقان، وسبب اختياري لهذا المركز أن عمي وابن عمي هما القائمان على هذين الصندوقين، وعمي يعمل في سادكوب منذ ثلاثين عامًا، وله علاقات وطيدة مع كل من يتعامل مع سادكوب أو من هو موظف فيها، وقد أبلغني عمي أن لي أصواتًا بين الصندوق الأول والثاني لا تقل عن 600 صوت؛ لأنه بقي أثناء الفرز بعد انتهاء الانتخابات، لكن المضحك أن حتى أصوات عمي وابن عمي (الوكلاء) على الصندوق قد حذفت والنتيجة صفر، تكرر ذلك في مركز (المطاحن)، حيث كان لي ابن عم مدير هناك، وأبلغني بأعداد أكثر بكثير ممَّا حصلت عليه في النتائج المُعلَنة.
– وفي اليوم الثالث تصدر النتائج ليعلن فوز السيدين الدكتور (عبد العزيز الشامي)، والدكتور (هلال زين الدين) رحمهما الله تعالى بحدود 28000 صوتًا لكل منهما، وكان تعداد أصواتي المُعلَنة من قبل النظام 21000 صوتًا تقريبًا، وبذلك فازا بمقعدي الفئة الأولى.-انتهت هذه التجربة بدروس لا تعد ولا تحصى، لكننا دفعنا ثمنها غاليًا في السنوات اللاحقة.
حياكم الله..