فراس مصري |
وقبل متابعة الذكريات والعودة (للداون تاون) في نطاق مشاريع ال BOT، وبناءً على طلب بعض القرّاء الكرام، علينا أن نعرِّج على تعريف مُبسط لنظام ال BOT.
– في سابق الأيام كان يتم التصرف بأملاك مجلس المدينة إما بيعًا أو إيجارًا أو شراكةً، وعلى سبيل المثال يمكن لمجلس المدينة بيع عقار أو أرض من أراضيه، وسلبية ذلك خسارة البلدية لأملاكها دون استثمارها بالعائدات الأفضل ولا الحفاظ عليها للمستقبل، حيث إن امتلاك العقارات والأراضي ضرورة للحفاظ على موارد مستدامة للبلدية، وأما الإيجار فكان بابًا للتلاعب وبقاء أسعار الإيجار منخفضًا لعشرات السنين، حيث تغطي أنظمة سورية وقوانينها المستأجر بطريق غير عادلة للمالك، وأما البناء والاستثمار فمثاله ما يسمى بالأسواق التجارية لمجلس مدينة حلب، مثاله سوق (سيف الدولة) وسوق (منتزه السبيل) وسوق (شارع النيل)، وهي أسواق بُنيت وأُجِّرت محالها، وأذكر أن عددها بحدود 10 أسواق في حلب، وكان مجموع إيراداتها في عام 2005 بحدود 12 مليون ليرة سورية سنويًا، علمًا أن عدد المحلات في كل منها كان بين 12 إلى 15 محلًا تجاريًا. ونموذج آخر للاستثمار للحصول على إيرادات لمجلس مدينة حلب كان الشراكة مع القطاعات شبه الحكومية والقطاع الخاص، ومثال ذلك فندق (شيراتون) الذي تقع أرضه المملوكة لمجلس المدينة في أهم موقع تجاري في المدينة (باب الفرج)، فقد تمَّت الشراكة بين المجلس وغرفة التجارة مع مساهمين على أن تكون حصة المجلس من الأرباح 30% مقابل الأرض وحصة الشركاء بإدارة غرفة التجارة، حيث كان لها 51% من الأسهم، 70% من الأرباح مقابل رأسمال بناء قدره بحدود مليار ليرة سورية، وعيب هذه الشراكة أن الإدارة غير النظيفة ستجعل المشروع خاسرًا أو قليل الربح، وهذا ما حصل، وبالتالي يكون المجلس قد فرَّط بأرضه دون مقابل يُذكر.
– أطلقت فكرة الاستثمار بنظام الـ BOT على التوازي من مجلس مدينة حلب ووزارة السياحة عندما نهضت زمن الدكتور (سعد الله آغا القلعة) المشهود له بفكره الإداري والهندسي وذوقه الفني الرفيع، وعليه بدأت وزارة السياحة ومجلس مدينة حلب بإقرار هذا النظام لاستثمار أملاكهما.
– يعتمد النظام على ما يلي:
– يخصص مجلس المدينة بعض أملاكه من الأراضي للاستثمار التجاري والسياحي، ويضع المجلس الإطار التخطيطي الوظيفي حسب احتياج المدينة، وعندما يكون المشروع سياحيًا يكون لوزارة السياحة دور في التوظيف وتحديد الاحتياج وتوضع أهم الأنشطة لكل مشروع، فعلى سبيل المثال إذا كان المشروع سياحيًا توضع أنشطة على غرار فنادق ومستواها، ومدن ألعاب، ومطاعم وكافتريات، صالات مؤتمرات، ومسرح..، وعندما يكون تجاريًا (مول تجاري)، تحدد مساحاته وإشغالاته ومرافقه الخدمية..
– يطرح المشروع للاستثمار كمناقصة، حيث يقدِّم المستثمر أفكاره التفصيلية ومخططاته الأولية لرؤيته للاستثمار الأمثل وفق البرنامج الوظيفي المطروح في دفتر الشروط.
– المستثمر الذي يرسو عليه العرض، يتابع بإشراف المجلس مخططاته التنفيذية وبرنامجه التفصيلي، ويشرع في بناء المنشأة على حسابه الكامل دون أن يدفع مجلس المدينة أي مال.
– يحدد دفتر الشروط عدد سنوات الاستثمار التي يمكن أن تصل إلى 40 سنة، بحسب حجم المشروع .
– يحدد سعر سري كحد أدني يكون إيرادًا سنويًا لمجلس المدينة يبدأ المستثمر بدفعه بهد افتتاح المشروح ودخوله سوق العمل ونسبة مئوية من الأرباح بما يفيض السعر الذي يرسو العرض بموجبه على المستثمر.
– بهذه الطريقة سيكون لدينا مشاريع تصل إيرادات بعضها السنوي إلى 60 مليون ليرة سنويًا لمول واحد أو مشروع سياحي واحد بعد أن كنا نتقاضى 12 مليون ليرة لعشر أسواق تجارية سنويًا.
نعود لمشروع (باب الفرج) وكما قلنا إنه حلم المدينة الذي من المفترض أن يكون قلبًا نابضًا للسياحة والتجارة في مدينة حلب، وقد رسا العرض على شركة (باريس غروب) بصفتها شركة مستثمرة، وشركة (ماجد الفطيم) بصفتها شركة إدارة، ولمن لا يعرف فإن (ماجد الفطيم) هو صحاب (سيتي سنتر دبي)، ووكيل (كارفور)، وصاحب مول الإمارات.
إلا أن مسؤولاً جشعًا كان آنذاك محافظًا لمدينة حلب (طفَّش) المستثمر وشركة الإدارة، فما علاقة المحافظ بمشروع لمجلس المدينة؟! القانون يقول: إن المشاريع التي تتجاوز قيمتها مبلغًا معينًا يجب أن تصدق من المكتب التنفيذي لمجلس المحافظ، وبالتالي يرفع الملف للمحافظ الذي عليه إحالته للمكتب التنفيذي للمصادقة عليه.
وبقي المشروع الحلم في أدراج محافظ حلب (ت / ح) ثمانية أشهر، والمستثمر يذهب ويعود من الإمارات، وقد تكلف في دراسته الأولية للمشروع ملايين الليرات معتمدًا على شركات أسترالية وكندية، حسب ذاكرتي، والمحافظ يلمح ويصرح عبر زبانيته كي يراجعه المستثمر ويناقش (شو بدو يناقش؟!) ويقبض المعلوم، فالكبش ثمين (الفطيم، وباريس غروب) فما كان من المستثمر وشركة الإدارة إلا أن انسحبا من المشروع لتأخر المجلس عن إبرام العقد بالمدد القانونية المحددة بعد رسو العرض عليه، (طافشًا) من محافظنا العتيد الذي نال جائزته بأن أصبح وزيرًا وكاد يصبح رئيسًا للوزراء (شكرًا للثورة) التي لم تتح له ذلك.
في الجزء القادم سنتابع بتفصيل عن المشاريع التي لزمت ومصيرها، التي كانت قيد التلزيم ومآلها.
حياكم الله