بقلم : إسماعيل المطيرلا أريد أن أبدو قاسياً عندما أتحدث عن أوضاع الفارين من بيوتهم، سواء كان فرارهم داخل البلاد في مخيمات النزوح، أم كان فرارهم خارجياً في دول الجوار.ما يلفت نظري هو طول فترة المعاناة التي امتدت أكثر من ثلاث سنوات، وربما تمتد أكثر من ذلك، ولم يتغير حالهم أبداً عمَّا هو عليه منذ تركوا بيوتهم.ربما يكون الأمر -بالنسبة إلى من فروا خارج سورية-خارجاً عن إرادتهم، كونهم يعيشون في مخيمات تعدها حكومات الدول المضيفة، وبالتالي تحكمهم قوانين خاصة لا يمكن لهم معها تحسين أوضاعهم إلَّا بعد موافقة السلطات.ولكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة إلى النازحين داخل الأراضي السورية، فمنهم من فرَّ خوفاً على نفسه وأفراد عائلته من طائرات بشار، ومنهم من نزح خوفاً من مجازر قد يرتكبها النظام بعد أن احتل قراهم ومناطقهم، فمن نزح فهذا حقه الطبيعي.ولكن للأسف، فإن معظم هؤلاء ظنُّوا أنَّ النزوح مسألة مؤقتة، قد لا تطول سوى أيام معدودات، فنجد منهم من خرج بثيابه التي يلبسها لا أكثر، حاله حال من ظنَّ أنَّ النِّظام سيسقط بمجرد خروج مظاهرات ضده كما حدث في مصر.ولكن الأمر اختلف بالنسبة إلى الثوار وأدركوا خطأ ظنهم الأول، فعدَّلوا سياساتهم وأفعالهم لتتناسب وطول المعركة لإسقاط النظام، في حين لم يُعدلِ النازحون ظنَّهم وما زالوا يعيشون تحت ظروف متردية في انتظار سقوط النظام، أو حدوث تسوية بينه وبين الثوار، وربما ينتظر بعضهم سقوط الثورة لا قدر الله.يعانون الجوع والعطش والحر والبرد والمذلَّة أمام هيئات الإغاثة المختلفة، لا تُؤويهم سوى خيام يجرفها السيل كل مرة، وهي بالكاد تستر عوراتهم.ألم يفهم هؤلاء طوال هذه المدة أنَّ الحرب طويلة، وأنَّ عليهم أن “يدبروا رؤوسهم” ريثما تنتهي ؟!إنْ لم يفهموا ذلك فتلك مصيبة، وإنْ كانوا يفهمون ثم يقفون دون حراك تجاه ما يحدث فتلك مصيبة أعظم.بعض هؤلاء النازحين لا لوم عليهم، وهم النساء والأطفال فقط، ولكن الباقين يدفعونني إلى الجنون، حيث أنَّهم من الرجال الأشداء والشباب القادرين على العمل، بل وعلى تحسين أوضاعهم حسب الإمكانات المتوفرة.لا أدري لمَ مازال الكثيرون منهم قابعين تحت الخيام في حين أن بإمكان أحدهم أن يبني حجراً واحداً لا أكثر كل يوم، ليحصل على مأوى يسكنُه خلال عام واحد، وطبعاً هذا إن وُجد فهو أكثر الناس خمولاً وبلادة.إنَّ مصابنا بهؤلاء النازحين عظيم، فأكثرهم أحجم عن دعم الثورة، ثم أحجم عن العيش بكرامة، ولن أكون قاسياً لو قلت: إنَّهم يستحقون كل ما يعانونه وربما يستحقون زيادة نتيجة “تنبلتهم” وجبنهم.ولكني ألتمس العذر لضعيف الحيلة الذي يريد ولا يعرف فلا يستطيع شيئاً.وحتى هذا الذي ألتمس له العذر، فقد قال فيه أجدادنا وما عذروه: “رأس لا حيلة به قطعه أولى”