ضرار الخضر |
واحدة من التصورات التقليدية لنهاية الحضارة في أفلام الخيال العلمي كانت “موت العشب” لجون كريستوفر، حيث يقضي مرض نادر على كل العشب الذي تعتمد عليه معظم الزراعة العالمية من رز وقمح، وفي النهاية انحسر التعامل بين الناجين من الطاعون والحروب والمجاعات إلى صراع مرير بين الأخوة حول رقعة البطاطا المتبقية التي يمكن الدفاع عنها، وكما في كل ما تسمى روايات “الدمار المريح” يمكن انتقاد هذا لأنه تشاؤمي. إن التشاؤم من مستقبل تسوده المجاعة والحرب الشاملة بين الجميع يبدو قاتماً، لكن عواقبه تقتصر على البشر.
احتمالات انقراض الحشرات الذي يتهدد العالم يزيد من مخاطر دمار شامل، قد يشمل النبات والطيور والأسماك والثدييات الصغيرة وكل ما يعتمد على الحشرات، وهذه بداية فقط، إذ ثمة أصناف أخرى، ونحن منها، تعتمد على الحيوانات والنباتات التي تحتاج الحشرات، وعندما يذهبون نذهب معهم، وهذا ليس دماراً شاملاً فحسب إنما أسوأ بكثير.
إن أحدث دراسة وصلت إلى أن الكتلة الحيوية (الأحياء من حيوان ونبات) تتناقص في العالم كله بمعدل 2.5% سنوياً، وبهذا المعدل سيخسر العالم نصف الحشرات في غضون خمسين سنة، وكل الحشرات في غضون قرن من الزمن، رغم أن أحداً لن يبقى ليعد القرون عندئذ.
إن العامل الرئيس في هذه الكارثة هي الجشع البشري، إذ إننا وفقاً لذكائنا الفردي والجماعي نتصرف كأصناف غير بعيدة النظر مثل مستعمرة من الديدان الشريطية التي تستهلك كل ما هو متاح لها حتى ينتهي كل شيء ثم تموت بشكل طبيعي.
إن التحدي هو التصرف بشكل أكثر عقلانية من المخلوقات التي لا تملك دماغاً على الإطلاق لن يكون سهلاً، لكننا على عكس الديدان الشريطية نعرف ما نفعل، فقد تم توقيع معاهدة التنوع البيولوجي عام 1992، إلى جانب معاهدة التغير المناخي، وتفعيلهما أمر ضروري لكبح جماح رغباتنا المضطرمة الآن، فالتنوع البيولوجي ليس ترفاً إنما هو الشبكة التي تمسك بالحياة كلها بما فيها الحياة البشرية.
إن الصيغتين الرئيستين للجشع الذي يسرع هذا الدمار المستقبلي هما الاحتباس الحراري والزراعة الصناعية، إذ يبدو أن معظم الضرر واقع على العالم المتقدم عن طريق الممارسات الزراعية، حيث يمنع استخدام الحقول الضخمة الخالية تماماً من أي مأوى للحشرات على الإطلاق، سواء كانت ضارة بالمصالح البشرية أم لا، بسبب استخدام المبيدات الحشرية ذات التأثير الطويل المدى، ممَّا أدى إلى إبادة أعداد لا حصر لها من الحشرات.
تأثيرات هذا النوع من الزراعة تصل إلى خارج الحقول على وجه السرعة، فقد حدثت خسائر كبيرة في صنوف الحشرات المائية في الأنهار التي جرفت إليها مياه الأمطار مخلفات الزراعة الصناعية، وحتى في المحميات الطبيعية الألمانية، حيث يُمنع بطبيعة الحال استخدام المبيدات الحشرية، حدث انحدار شديد في أعداد تجمعات الحشرات بسبب الاستخدام الواسع للمبيدات في الجوار ممَّا يمنع تكاثر الحشرات، وفي المناطق الإستوائية دمر الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة النظام البيئي بأكمله، بدءًا من الأسفل حيث الحشرات، وشهدنا السنة الماضية اختفاء جميع الحشرات الزاحفة التي تعيش في أراضي الغابات المطيرة في بورتوريكو (جزيرة في الكاريبي)، وثلاثة أرباع الحشرات الطائرة.
لقد قامت بعض الحكومات بخطوات مهمة، فقد منع الاتحاد الاوروبي استخدام المبيدات الحشرية التي تحوي النيكوتين، لكن التغيرات الضرورية تقتضي أيضًا تصرفات على المستوى الفردي، فنحن الأفراد يجب أن نقلل من استهلاكنا اليومي، ممَّا يساهم في التقليل من الاحتباس الحراري، كما يجب علينا تغيير عاداتنا الغذائية، فالتقليل من تناول اللحوم وزيادة تناول الخضار والفاكهة ليس كل الحل. القليل من ضبط النفس لهذا الجيل سيصنع فرقاً كبيراً على أحفادنا.
صحيفة الغارديان
رابط المقال الأصلي: https://www.theguardian.com/commentisfree/2019/feb/11/the-guardian-view-on-the-mass-death-of-insects-this-threatens-us-all