بعد رحلة دامت أكثر من ٢٤ساعة، وصلت الثلاثينية “قمر عثمان” إلى مركز إيواء مؤقت بالقرب من مدينة إدلب، خُصص لاستقبال المهجرين من مدينة حرستا بريف دمشق، وهي تصطحب معها زوجها وطفلتها وطفلها المصاب.
رحلة الوداع:
تتحدث قمر لصحيفة حبر: “خرجنا بالباصات من مدينة حرستا بملابسنا فقط، ومبلغ زهيد من المال لا يُذكر ملوحين بأيدي الوداع لمنازلنا وأرضنا وأهلنا الذين انقطعت أخبارهم عنا بسبب وجودهم في القطاع الشمالي، كانت هذه الرحلة بمنزلة الموت لنا بفقدان السيطرة على حرستا، فبتهجيرنا فقدنا أرواحنا.
رغم خروجنا من الحصار لم تكن مشاعر الفرح ترافقنا، على العكس كانت مشاعرنا مليئة بالخوف والرعب، والتفكير بمصيرنا الذي ينتظرنا بطريق العبور من حواجز قوات النظام وروسيا، خلال مرور حافلاتنا بهم كانت نظراتهم المليئة بالحقد والكراهية والشماتة تلقي الخوف والذعر في نفوسنا.”
تحمل قمر طفلها الصغير المصاب ابن العام والنصف الذي فقد السمع بأذنه اليسرى نتيجة غارة للطيران الجوي على منزلهم في حرستا، وتعطيه قطعة من البسكويت ليتوقف عن البكاء.
وتكمل: “عند وصولنا إلى قلعة المضيق لم نكن نتوقع هذا الاستقبال الحافل الذي فاق توقعاتنا بما قُدِّم لنا من قِبل المنظمات الإنسانية والأهالي من مساعدات غذائية وطبية، فضمَّدوا جراحنا النفسية والجسدية التي عايشناها في فترة الحصار، وقدموا جميع المستلزمات التي نحتاجها نحن وأطفالنا من طعام وثياب وألعاب بكل مودة واحترام، وعوَّضونا بهذه المعاملة عن كل لحظة قصف ورعب وجوع مررنا بها خلال السنوات الماضية.”
مأساة حقيقية:
تضيف: “لا يمكن مقارنة حالنا هنا بما كنا عليه في حرستا من ٢٩كانون الأول حتى ١٨ شباط قبل يوم خروجنا، كنا نعيش حياة الأقبية والقصف المستمر نهارًا وليلًا، حتى أصبحت الأقبية المتعفنة الرطبة الباردة التي تشبه القبور في ضيقها سكننا على مدى أربعة أشهر مع عدم توافر الغذاء والرعاية الطبية والصعوبة الكبيرة في تأمين مياه الشرب ووجبة الطعام التي أصبحت تقتصر على نصف رغيف من الخبز أو نصف صحن من الأرز في اليوم. كنا نقي بهذه اللقيمات جوع أطفالنا الصغار، ولا يوجد ماء أو كهرباء، أما أجسادنا فكانت متسخة تختلط برائحة الدم والموت والرصاص، كنا متعبين وبأشد الحاجة إلى قسط من الراحة والنوم بعيدًا عن التفكير بالموت المحتمل في أي لحظة.”
ويشير أبو أحمد زوج قمر إلى أنه كان على تواصل مع أحد معارفه في ريف حلب في منطقة جنديرس علَّه يساعده في تأمين منزل وعمل يعيش هو وعائلته.
تعاود قمر قولها لنا: “الوضع في المركز جيد، لكن ليس بالحال الدائم، ولا يمكننا الاستمرار
في حياة الخيام المشتركة؛ لأنني منفصلة عن زوجي فيها، وأنا أتهيأ لوضع مولودي الجديد في الأيام المقبلة، وأحتاج إلى الخصوصية بعيدًا عن الضجيج، كأن أستقر في منزل صغير أجتمع فيه مع أفراد أسرتي، لكن عدم قدرتنا على دفع إيجاره يجعل هذا عائقًا أمامنا.” تتوقف عن الكلام لتغرق في موجة صمت مصحوبة بدموعها المنهمرة على خديها، لتكمل بحرقة: “المأساة الأكبر تكمن في انقطاع كل وسائل الاتصال أو الأخبار عن والدتي وأخوتي السبعة منذ عشرة أيام من خروجنا بسبب الحصار المفروض على مدينة دوما، وعدم قدرتهم على الوصول إلى الباصات نتيجة انقطاع الطريق بين حرستا ودوما، ليبقوا وحيدين دون معيل لهم، بعيدين عن والدي الذي افترق عنهم بالخروج معنا ولم يستطيع العودة لإحضارهم ولا البقاء لانتظارهم، وهذا الحال لا يقتصر فقط على أهلي، فهو حال الكثير من العوائل.”
أُمنيات:
اختتمت قمر حديثا بأمنيات تحترق في داخل كل مُهجَر، تقول: “أمنيات كثيرة تراودني وتجول في خاطري آمُل أن تتحقق، أولها العودة إلى جذوري وأرضي ولمّ الشمل مع عائلتي بمنزل دافئ يأوينا، وأسأل الله الفرج القريب، وانتهاء هذه الحرب التي أنهكت قوانا ودمرت وطننا.”