غسان الجمعة |
تستمر تركيا بدفع تعزيزات عسكرية إلى منطقة درع الربيع (إدلب) بالتوازي مع حشود مستمرة على الجهة المقابلة للميليشيات الإيرانية في وقت يتكهن فيه الشارع المعارض بصدام جديد بين روسيا وتركيا ينسف الاتفاق الأخير الذي عُدَّ بمنزلة استراحة محارب لإعادة ترتيب الصفوف لكلا الطرفين، فالسقف الروسي بمطالبه المرتفعة لا يروق لأنقرة، كما أن الأخيرة باتت تعلم مدى خطورة كسر إرادتها في ساحة إدلب ولذلك يجنح الجميع لفكرة أن المعركة قادمة، فهل هي فعلاً كذلك؟
في البداية علينا أن نعلم أن كلا الدولتين ركزتا جهودهما لمواجهة الجائحة الوبائية في داخل بلديهما وتحاولا الاستثمار بقوة خارجها استعدادًا لفكرة تغيير النظام العالمي أو على الأقل الصعود في عالم ما بعد كورونا عمَّا قبله في الأوساط الدولية، فتركيا تنظم حملة عالمية لتقديم المساعدة للدول في مواجهة كورونا اكتسبت فيها مكانة دولية كبيرة عجزت الولايات المتحدة أن تحققها على الأقل مع حلفائها الأوربيين الذين تخلت عنهم وأغلقت حدودها بوجههم.
كما أن روسيا التي تحاول إظهار نفسها كالقدر المخلص لأوروبا تعمد إلى مساعدة الدول الأوربية المؤيدة لرفع العقوبات عنها وتحاول إظهار نفسها بحلة سياسية غير تقليدية في التعامل مع الدول الأوربية من خلال إرسال البعثات العسكرية الطبية والإمدادات الطبية لدول تشكل نواة الناتو بحد ذاته كونه العدو التقليدي لها.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من هذه الحشود العسكرية، فإن الأرتال التركية باتت تكثف إدخال معداتها الهندسية والفنية إلى نقاط التماس في دلالة واضحة على أن كل ما يتم هو بتوافق بين الجانبين، فلا الأرتال للقتال في الوقت الحالي ولا تحليق الطائرات الروسية للقصف.
لذلك تعيش الساحة السورية حالة من الترقب الحذر الذي لا يمكن في ظل هذه الظروف تفجيره بين البلدين، حتى وإن كان بالوكالة بين المعارضة من جهة والنظام والإيرانيين من جهة أخرى.
غير أن هذا الهدوء تحاول أطراف دولية وإقليمية كسره بأي شكل وعلى رأسهم إيران التي تترجم انزعاجها من الاتفاق الروسي التركي المنفرد بخرقها المستمر لوقف إطلاق النار والدفع بمرتزقتها لخطوط القتال بشكل كبير عقب الاتفاق.
لذلك وعلى الرغم من استبعاد نشوب المعارك في الأسابيع القادمة إلا أنه لن يمنع ذلك انهيار وقف إطلاق النار بأي لحظة عندما تدخل قوى أخرى لنسفه، كما حدث مؤخرًا عندما دفع (محمد بن زايد) ولي عهد الإمارات لبشار الأسد المليارات لفتح معركة إدلب من جديد واستهداف النقاط التركية، غير أن موسكو استدركت الأمر في لحظاته الأخيرة وأوقفه بوتين برسالة حملها (شويغو) وزير الدفاع الروسي على وجه السرعة لبشار الأسد.
من خلف كل تلك المعطيات والمواقف يتسلل الأمل في تحليلاتنا وتوقعاتنا على حساب التفكير بأنَّ الدول مع مصالحها وهي الحقيقة التي ننكرها زيفًا على أنفسنا، في حين إن عدونا يراوغ في مطالبه ويستدرجنا لوكر خدائعه مرة تلو المرة عبر مصيدة الأمل ومعارك العاطفة.