تلاشت طفولة وأحلام الكثير من الفتيات الصغيرات اللواتي دون سن 18 داخل الأراضي السورية وخارجها وفي المخيمات، ليحل مكان الطفولة المسلوبة بيت وزوج والتزامات سبقت أعمارهن بكثير، زواج القاصرات ظاهرة قديمة عادت من جديد إلى المجتمع السوري منذ بداية الأزمة، وكان لتزايدها أسباب عدة يدركها جميع السوريين.
فتيات قاصرات من كافة المناطق السورية كنَّ ضحية الزواج المبكر، معظمهنَّ يعانين من مشاكل كثيرة داخل أسرهنَّ بسبب الحرب، وانقطعن لفترات طويلة عن المدرسة بسبب القصف والنزوح المستمرين وسوء الوضع الاقتصادي للأسرة، والتزمن ببيوت أزواجهنَّ، بينما باقي صديقاتهنَّ يتابعون تعليمهنَّ ويلعبن مع زميلاتهنَّ رغم سوء الأوضاع كافة.
فتيات صغيرات في كافة سوريا نسمع قصصهنَّ في المجتمع السوري وقعنْ باكرا في عشِّ الزوجية، لم يعرفن عنه سوى لبس ثوب الزفاف والذهب وبعض الهدايا التي أغرتهنَّ في ظلِّ الفقر المدقع، فقد لعب الوضع الاقتصادي المتدني ونقص المساعدات دورا في دفع الكثير من الأهالي لتزويج بناتهنَّ في وقت مبكر خاصة في المخيمات؛ لتخفيف العبء عليهم، و كذلك الخوف من العار الذي ربما يلحق بالأسرة من خلال الاعتداء عليهنَّ أو اغتصابهنَّ، خاصة خلال فترة النزوح والتنقل من منطقة لأخرى، فيحافظوا على سمعتهم وسترة البنت حسب اعتقادهم بعد أن فقدوا اﻷمل في تدرسيهنَّ خاصة وأنَّ الكثير من الفتيات الخريجات فقدن وظائفهنَّ خاصة في المناطق المحررة؛ بسبب خوفهنَّ من الاعتقال فيما إذا التحقن بعملهنَّ بمناطق النظام.
كما ويظنُّ بعض الأهل أنَّ الزواج المبكر أفضل، وذلك خوفا من العنوسة التي باتت أيضا ظاهرة متفشية كون جميع الشبان يفضلون الزواج بفتاة صغيرة؛ لبرمجتها حسب ما يريد الزوج وأهله، وتتمُّ معظم هذه الزيجات من خلال الشيخ أو المحاكم الشرعية، وبعضهنَّ تزوج من جنسيات عربية أو أجنبية ممَّا ينتج عنه أطفال غير شرعيين لا يمتلكون نسلا أصيلا أو حتى شهادة ميلاد، بسبب عدم قدرة معظمهم تسجيل الأطفال في دوائر القيد والنفوس السورية خوفا من الاعتقال في مناطق النظام، وهذا يؤدي إلى ضياع جيل بأكمله.
بعض الأهالي لا يجدون أي مشكلة في إرسال بناتهنَّ القاصرات في رحلة قوارب الموت للهجرة إلى أوروبا وتزويجهنَّ هناك من أحد الشباب المهاجرين لدول اللجوء هربا من الاعتقال والحرب.
عرس بلا عريس:
معظم الزيجات التي تتمُّ حاليا في سوريا بدون عريس، إذ تقيم بعض النسوة من أهل العروس والعريس حفلا لوداع العروس قبل أن تخوض رحلة تعجز الفتيات في سنِّ الرشد عن اجتيازها.
من أبرز السلبيات التي ظهرت في هذا الزواج هو الطلاق أو “الحرد” في بيت أهلها أو في دول اللجوء؛ وذلك بسبب عدم خبرة الفتيات القاصرات في إدارة شؤون المنزل والتعامل مع الزوج وأهله، فالفتاة الصغيرة المدللة التي كانت تلعب مع صديقاتها ينبغي عليها أن تغسل وتطبخ وتنظف المنزل وتنجب أطفالا.
مخاطر صحية ونفسية حذَّر أطباء منها قد تحصل مع تلك الفتيات خاصة أثناء الولادة، فهنَّ لم ينضجن بشكل كامل ليتحملن مشاكل الحمل والولادة، ومن ثمَّ أعباء التربية مع الأطفال، فكيف لطفلة أن تربي جيلا وخاصة في زمن الحرب.
صحيح أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم حلل هذا الزواج، لكن باعتقادي أنَّ الفتيات اللواتي نشأن وتعلمن في زمن الرسول على مبادئ الدين والأخلاق التي تعلموها من نبينا الكريم، وكانت كافية لتؤهل الفتيات القاصرات لإدارة منزل وتربية جيل واعٍ.
فحاليا يعتبر زواج القاصرات حاليا كارثة من الكوارث الاجتماعية التي تجتاح المجتمع السوري بشكل كبير كما القصف والدمار، فمعظم الفتيات لم يتعلمنَ أساسيات التربية السليمة بسبب الحرب ، ولابدَّ من حملات توعية للأهالي بخطورة هذا الزواج، فثمة الكثير من النسوة ممَّن هنَّ بحاجة إلى الزواج غير القاصرات كالمطلقات والأرامل والعوانس، فنحن بحاجة إلى جيل من النساء المتعلمات من طبيبات وممرضات ومعلمات أو حتى ربات بيوت، ولكن ناضجات واعيات على كيفية تأسيس أسرة متماسكة تقوم على أسس أخلاقية ودينية تعليمية متينة قادرة على المشاركة ببناء المجتمع؛ ﻷنَّ سوريا بحاجة الكبير والصغير، ﻹعادة بنائها من جديد، والمرأة هي أساس المجتمع، وهي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
لارا عبد الرحمن