بتحرير سراقب ليلة الخميس، يكون الجيش الوطني قد أحرز أول تقدم مهم على الخريطة السياسية بدعم من تركيا، التي تنتهي مهلتها مساء اليوم، ولكن الجميع يعلم أن هذه الجولة ليست هي النصر الذي يحلم به السوريون في طريق حريتهم، ولو أنها حملت معها أملاً كبيرًا أدخل الفرحة إلى قلوب الملايين ممن أنهكتهم الجراح وشرّدتهم الحرب، ورفعت معنويات المقاتلين بشكل لافت فأصبحوا متأهبين لما بعد سراقب، وما بعد حدود سوتشي لو استطاعوا.
علينا أن نتذكر أننا خسرنا في الأثناء مدينة مهمة جداً هي (كفرنبل) وعددًا من القرى المحيطة بها، وأنّ جبل الزاوية لا يقل أهميةً عن سراقب الإستراتيجية التي تشكل عقدة الطريقين الدوليين.
عبر تسع سنوات من الكفاح هذه أوّل مرة يستطيع فيها الثوار استرداد مدينة بعد تقدّم النظام إليها، لذا فلاستعادة سراقب رمزية كبيرة لتكون نقطة انطلاق لقلب معادلة انحسار الثوار عن مناطقهم.
تسارع الأحداث خلال اليومين الماضيين جعلني أعدّل كثيرًا مما كنت أودُّ كتابته حول خطوات الأتراك القادمة، فاستهداف الجنود الأتراك بشكل مباشر يجعل احتماليات خوضها للحرب مرتفعة جداً، مع أني ما أزال أعتقد أن تركيا تجنح للتهدئة، ولعل الاتصال بين بوتين وأردوغان والاتفاق على قمة قريبة بين الرجلين ترجح هذا المسار أكثر من غيره، فتركيا تدرك جيدًا أن الجميع بمن فيهم الناتو يريد توريطها في سورية، لذلك لن يكون اتخاذ قرار الحرب سهلاً.
ربما الضغط على أوروبا بفتح الحدود أمام اللاجئين، والتركيز فقط على استهداف قوات النظام دون الروس يشرح الإرادة التركية لإيجاد حل دبلوماسي بعيدًا عن الحرب، رغم التأييد الشعبي الواسع لها عقب الأحداث الأخيرة.
هناك نقاط تركية محاصرة تمامًا وهذا سيحتّم على الأتراك عدم التحرك بخشونة ضد الروس لكي لا يخسروا مزيدًا من جنودهم في تلك النقاط، بالإضافة إلى أن أنقرة تسعى فقط لتأديب النظام السوري لاسترداد هيبتها أمام الشعب التركي، وهي مستعدة لأي صفقة مع روسيا تحمي أمنها القومي، وتضمن استعادة سوتشي والتفاهم حوله من جديد.
ربما يسعى الأتراك بعد إعادة فرض السيطرة على عقدة الطريق وعدم التخلي عن جبل الزاوية إلى إعادة الروس إلى طاولة التفاوض تحت شعار (لا يستطيع أي طرف فرض أمر واقع على الآخر) وما سيجري في الشمال سيكون تحت الإشراف المشترك الروسي التركي، ومن ذلك تشغيل الطريق الدولية بشكل مشترك وإعادة النازحين إلى منازلهم بطريقة تشبه ما جرى في درعا تقريبًا.
على أننا يجب أن ندرك جيدًا أن حسابات الدول ستتجاوزنا دائمًا مالم نفرض أنفسنا بقوة على طاولة التفاوض، ولعلنا أمام فرصة كبيرة جدًا بسبب التعقد الكبير الذي تشهده ساحة الحرب السورية.
التفاهم مع الحلفاء لا يعني الخضوع لهم، وقلب الطاولة على الجميع سيكون مفيدًا حتى لحلفائنا، لذلك من المهم ألَّا نتحرك وفق الخطوط المرسومة فحسب، بل علينا أن نتجاوزها كي نصبح جزءًا من المعادلة.
الكل يلتقط أنفاسه في هذه الساعات الأخيرة قبل انتهاء المهلة لرؤية ما سيجلبه الغد، وسراقب ليست سوى خطوة صغيرة جدًا رغم أهميتها، وإنّ غداً لناظره قريب …
المدير العام | أحمد وديع العبسي