ربما تكون الواقعية السياسية أمرًا يجب أن نعيشه في ظل ضياع القرار السوري وانعكاساته بالضرورة على الوضع الداخلي واستمرار التشرذم الفصائلي رغم تقلص المساحة السورية المحررة وتوضح أطراف الصراع والحلفاء، لكن التسليم لها والشعور بانعدام كل وسائل المواجهة أمر يكرس اليأس ويورثه للأجيال القادمة ويوصل إليهم الرسالة بشكلها الخاطئ فتضيع المطالب وتتشوه الحقائق.
إن ما تعاهد عليه السوريون وخرجوا من أجله لم يتغير عندما تحول الصراع مع النظام إلى المواجهة المسلحة، فمطالب الحرية والعدالة والاحتكام إلى قانون يجمع كل السوريين تحته لم تتغير بل هي البوصلة التي توجه السوريين نحو تحقيق أهدافهم في كافة أنواع المواجهة، فهي غير مرتبطة بزمان ومكان وحدث معين، فالمطالب والقيم والثوابت لا تتغير ولا تتبدل إلا بما هو أفضل ويصطلح ويتفق عليه أبناء الوطن السوري، وبالتالي من البدهي ألا تغيب وتضيع في ظل المواجهة.
لكن لمَ نجد الاستكانة اليوم والاستسلام للأمر الواقع كأن كل ما خرج من أجله السوريون مرتبط بالأرض والسيطرة عليها واحتلالها من قِبل النظام وبالتالي ضياع الحقوق والمطالب وانتظار المصير المكتوب والغوص في دوامة الاحتمالات دون أن نكون فاعلين في تقرير المصير؟ أليس الوعي والأهداف المشتركة هي ما أتت بالذي كان يُظن أنه مستحيل؟! ألم يخرج السوريون لتحقيق مطالبهم متسلحين بثوابتهم التي أقسموا عليها في الساحات؟! إن المطالب والحقوق والقيم والحرية بمفوهما الذي يعرفه السوريون هي المحرك للوصول نحو تحقيق الأهداف وبناء الوطن، وهي كما تقدم غير مرتبطة بالأرض والزمان، لكنها تأثرت جدًا في السنين الأخيرة حتى أصبحت قولاً دون فعل يذكره الساسة على خجل في المحافل السياسية، أما على الأرض وفيما تبقى من الداخل المحرر نجد أسبابًا كان لها دور مهم في تغييب الثوابت والقيم وبالتالي ضياع البوصلة والطريق، فالانحسار المتسارع عن أجزاء كبيرة من المحرر وسيطرة النظام عليها، واستغلال النظام لحالة اليأس المُعاشة عقب كل خسارة وبثه للشائعات، وكذلك تكرار سيناريو السقوط في كل المدن، كل ذلك أسباب أدت إلى ضياع البوصلة والتفكير بشكل يائس بل حتى غياب التفكير وانتظار المصير لا أكثر.
إن ترك الأمور تسير إلى مآلها بما يخطط له من قبل تركيا وروسيا وإيران خاصة في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تعصف بتركيا وكذلك سياستها مع أمريكا وخلط الأوراق مع بعضها للنيل منها وهي الحليف الوحيد لنا فإن الواقع سيكون غير مرضٍ خاصة في ظل إعادة القصف الجوي الذي هو بمنزلة ورقة ضغط على تركيا وبالتالي على القرار السوري الغائب، فالصراع بلغ أوجه واقتربت الحبكة ولا سبيل لنا لتأمين أرضنا والنجاة بما تبقى إلا بالعودة إلى ما تعاهد السوري عليه وضحى من أجله فالخيارات ماتزال مطروحة والعزائم كامنة في النفوس تحتاج من يوقدها ويذكرها ما خرجت لأجله فلا حلَّ إلا باستعادة القرار السوري على الأرض والضغط على الجميع لتحقيق المراد وإلا فالصمت يورث الرضى والخنوع والتسليم لما يحدث في ظل وجود حلول وممكنات لا يستهان بها تبدأ بالقوة البشرية الموجودة ولا تنتهي بالماضي المجيد والتضحيات التي قُدمت والنضال لأجل ما تبقى، فالله الله يارجال سورية فيما تبقى فاللعبة تدور على أرضنا ولا بد من اليقظة وقلب الموازين واستعادة القرار لأجل ما تعاهد عليه السوريون وبذلوا الغالي والنفيس لأجله.