إعداد: عبد الله درويش |
“الصور الذهنية هي كافة التصورات التي نحملها داخلنا والتي تحدد فكرنا وشعورنا وسلوكنا، إنها أفكار ورؤى تنم عمَّا نحن عليه وعمَّا نطمح إليه وربما عمَّا نريد أن نصل إليه يومًا ما، إنها بمنزلة نماذج مخزنة في العقل نستخدمها كي نشق طريقنا في العالم.
نحن نحتاج إلى هذه الصور كي نخطط للأفعال ونواجه التحديات ونتفاعل مع التهديدات، وبسبب هذه الصور الذهنية يبدو لنا شيء ما جميلًا أو جذابًا أو قبيحًا أو منفرًا.
الصور الذهنية إذًا هي الحاكمة لكيفية استخدام العقل وسبب استخدمه.”
القرَّاء الكرام: الاقتباس السابق من كتاب: (سلطة الصور الذهنية) لمؤلفه (جيرالد هوتر)، وسألخص في هذا المقال أهم الأفكار التي وردت فيه.
-هناك صخرة في المكان الذي أعيش فيه على تل صغير متآكلة بفعل عوامل التعرية، تبدو من بعيد كأنها عملاق جالس! كلما مرَّ بها الأولاد يتخيلون أن هنا حدثت المعركة بين الخياط الصغير الشجاع والعملاق، بينما لا ترغب زوجتي بمرافقتي لموقع الصخرة لأنها لا تحبها، ولأنها من سكان تلك المنطقة، فهي تعرف الكثير من الحكايات المفزعة التي يتناقلها الناس بشأن هذا العملاق الصخري.
-وعلى كلٍ لا داعي للقلق عندما تدفع صورة ذهنية ما إلى زيادة الثقة وتكوين خبرات جديدة، ويمكن أن تصبح الصور مفعمة بالحيوية، وتوسع أفق الإنسان وتدعمه، لكن قد تؤدي صور أخرى إلى تضييق أفق البشر، وإصابتهم بالفزع والقلق والضعف!
-عندما نتحدث عن الصور الذهنية فلا يتعلق الأمر بأشكال صخرية غريبة فحسب، يشكل منها عقلنا عملاقًا، بل يتعلق الأمر بما هو أبعد من ذلك، فهو يرتبط بصور ذاتية، وصور عن الناس والعالم نحملها في رؤوسنا وتحدد فكرنا وشعورنا ومن ثم فعلنا.
-لذا من المهم معرفة كيفية تكوّن الصور الذهنية التي يصنعها الإنسان عن نفسه، وتشكل علاقاته بالآخرين وبالبيئة المحيطة وبقدرته على تشكيل حياته الخاصة وفقًا لتصوراته.
-ويخضع تكوين هذه الانطباعات الذهنية لكيفية استخدام الإنسان عقله، وغايته من ذلك، فهناك صورة ذهنية تؤدي إلى اتساع أفق الإنسان واكتشافه للجديد والبحث مع الآخرين عن حلول، وهناك انطباعات تولد الخوف وتجبر الإنسان على الانسحاب والتقوقع، وهناك صور ينهل منها الإنسان الشجاعة والمثابرة والطمأنينة، بينما هناك صور تجعل الإنسان ينزلق إلى هوّة اليأس والاستسلام والشك.
-والسؤال، هو: كيف تتوغل هذه الصور المختلفة الموجودة برؤوسنا إلى عالمنا الداخلي؟! وهل كوّنّاها بأنفسنا أم غرسها آخرون بعقولنا؟
-جدير بالذكر أن كل إمعان في التفكير هو فرصة دوما في تغيير الفكر، ويقول العالم كونراد لورنز: ” الحياة بحد ذاتها عملية مليئة بالمعرفة”
-تعدُّ بنية العلاقات الداخلية المتكونة بمساعدة الصور الذهنية لكل كائن حي على حدة بمنزلة بنية مذبذبة على نحو أقل أو أكثر، كما يعدُّ كل تغير يطرأ على الظروف الخارجية الحاكمة التي تؤدي إلى تغيير النظام الداخلي الحالي وبنية العلاقات الداخلية للكائن الحي بمنزلة اضطراب يتم الاستجابة له عن طريق اللجوء إلى نموذج سلوك مناسب، وموجود مسبقًا للقضاء على هذا الاضطراب.
-ولا يختلف ما تفعله الخلية الواحدة في الأساس عمَّا يفعله الإنسان أو الجماعة عندما يتعرض النظام الداخلي، واستمرارية ما ثبت أنه شكل حياة مناسب، للخطر، فيتم استدعاء الصور المحفوظة والموجودة في الداخل والمستخدمة مثل نماذج ردّ فعل متحكمة في السلوك وتصورات مخزنة في الذاكرة لتفادي الخطر المحدق.
-يعمد المنتصر إلى فرض تأثيره على المنهزمين الذين يجبرون على التخلي عن تصوراتهم القديمة واستبدالها بما يخص المنتصرين، ومن لم يستطع ذلك فإنه ينتهي بشكل من الأشكال.
-وبات صبغ الحياة بطبائع معينة أكثر سهولة وأوسع نطاقًا بتطور وسائل الاتصال الحديثة وتنوعها.
-الإنسان يستطيع المقارنة بين الصور الذهنية المتكونة بالفعل مع نماذج التنشيط الجديدة، ويستطيع تغيير تصوره الحالي.
- إذا كان دور الصورة الذهنية الجديدة هو إثبات ما هو موجود، فإن البيانات الحسية المدخلة تكون غير ذات أهمية.
- وعندما لا يوجد أي تطابق لا يحدث شيئًا، وتتهم البيانات الحسية المدخلة بأنها صور خادعة.
- وحين يتوافق النموذج القديم مع نموذج التنشيط الجديد، ويحدث تداخل ولو جزئيًا، هنا تتم المقارنة ومن ثم التعديل تدريجيًا، وبهذا يكون الإنسان قد تعلم شيئًا جديدًا.
كلما زاد الضغط الذي يقع تحته الإنسان زادت احتمالات عودته إلى نماذج التفكير أو الشعور أو الأفعال التي خبرها من قبل.
صور تشكل التعايش المشترك:
“ما لا يمكن أن يتجاذب بقوة الجاذبية لا يلتقي، وما لا يجتمع عن طريق مقدار كافٍ من القوة ينفصل عن بعضه” . هذا القول ينطبق على المواد وعلى الكائنات الحية والعلاقات المتكونة.
-ما نوع تلك القوة التي تقود شخصين إلى بعضهما، والتي تجمع أسرة أو عشيرة أو جماعة أو قرية أو ناديًا رياضيًا؟ كيف يمكن قياس تلك القوة؟ ومن أين تأتي؟
هل تنمو هذه القوة من الأحاسيس؟ أم هي تصورات ينتج عنها قوة جاذبة وجامعة لكونها توقظ إحساسًا جماعيًا؟ هل تتوافر داخل جماعة ما ظروف من شأنها أن تقوي اتحاد أعضائها؟
هل هناك عوامل خارجية من شأنها أن تسهل أو تصعب نشأة تلك الظروف؟
هذه الأسئلة تزداد إلحاحًا عن عمليات حلّ وزعزعة الاستقرار المثبتة في كل المجتمعات.
-من المعروف أن البشر يقتربون من بعضهم عندما يقعون في مأزق يأتيهم من الخارج ويهدد وجود كل فرد منهم ولا يمكن التغلب عليه إلا من خلال مجهود جماعي، فالتهديدات الخارجية تولد الخوف، الذي يعدُّ شرطًا لتتكون عند البشر قناعة بإرجاء خوفهم من بعضهم البعض، وخوفهم من متطلبات استقلالهم ومن فقدان حريتهم بشكل مؤقت .
-إن ما يدفع ذلك الأمر إلى الحدوث ليس هو الخوف الذي يشعر به الجميع، إنما الخبرة الجماعية التي اكتسبها البشر في وقت ما من حياتهم، أو على الأقل في مرحلة الطفولة المبكرة، يجب التغلب على الخوف عندما يقترب الناس من بعضهم ويتّحدون.
يبدو أنه من الخبرات الأساسية التي يكتسبها البشر أن الإنسان يكون مع الجماعة أقوى من عيشه بمفرده.
-كلما زاد عدد وتنوّع المشكلات في المجتمع زاد الخطر الذي يهدد بانحلال بُنى الجماعة الاجتماعية بسبب الفقدان المستمر لتوحد الصور الذهنية التي توجه تنظيمها ونظامها الداخلي وتتيح لها التوجيه، وعندما تصل الأمور لتلك الحالة يواجه المجتمع الانهيار الذي يهدده من خلال ثلاث إستراتيجيات:
- الإمساك بمشكلة محددة والتركيز عليها.
- التوسع (العولمة).
- خلق رؤى في الحياة المشتركة، وتكوين العلاقات مع العالم الخارجي، وغرس الثقة والاعتراف المتبادل وتقدير القيم.
-نحن نحيا في عالم لا يسمح للتخطيط لكل التفاصيل، ولا بالسيطرة على كل الجوانب، لذا لا مفرّ من أن يفشل الإنسان أحيانًا، ومن المهم احتواء هذا الفشل في كلمات أو وصفه بصورة تساعد كونها نموذجًا داخليًا لهؤلاء البشر ومن سيأتي بعدهم، ولكن أحيانًا ينقل من فشل في محاولة إيجاد الطريق الصحيح بعض القناعات والتصورات قليلة أو عديمة النفع لمن يمكن أن يفشل مثلهم.
-هذه الصور الداخلية التي إما تولد خوفًا حيث لا خطر يهدد، أو تستمر في إقناع الذات بالحلول الباعثة على الأمان، بينما بدأ الوضع يصبح خطيرًا بالفعل.
-المعرفة سبيل لتطوير تلك الصور الذهنية، وهذه المعرفة عندما تتوفر في جوّ من الأمان لا تفقد الأطفال متعة حبّ الاستطلاع، متعة الاكتشاف والرغبة في البناء، والإيمان والجرأة لعيش الحياة بثقة.