سلوى عبد الرحمن
واجبات كثيرة على الأم السورية اتباعها لتكون أمًا مثالية تُرضي جميع من حولها لتأمين كافة متطلباتهم التي قد يعتبرونها أعمالًا يومية اعتادوا على وجودها جاهزة، لكنَّها في الواقع مرهقة وخارجة عن قدرة الأم معظم الأحيان، إلا أنَّه يتوجب عليها تأديتها كي لا تنهار مملكتها التي عملت على بنائها سنوات لينعم أفرادها بالراحة والسعادة، فما بالكم بالأم العاملة؟!
تزايدت في الفترة الأخيرة نسبة النساء العاملات في سوريا لأسباب كثيرة، أبرزها فقدان المعيل والوضع الاقتصادي المتردي، فغياب الرجل ضاعف من مسؤولياتها الجسدية والفكرية، ولم تعد مهمتها تقتصر على رعاية الأولاد وتربيتهم ومتابعة شؤون البيت والأسرة في ظلِّ القتل والتهجير والتشريد، بل وتوجَّب عليها تحمّل أعباء العمل أيضًا لتأمين متطلبات كلِّ من حولها.
أثبتت الأم السورية أنَّها مثال يُحتذى به، فهي لم تَسلم من تبعات الحرب التي أدخلت إلى حياتها الكثير من الاضطرابات خاصة الأم العاملة، فثمَّة مشاكل وصعوبات واجهتها سواء في داخل الأسرة أو خارجها، واستطاعت تجاوزها عندما وجدت أساليب ووسائل بديلة لاستمرار الحياة بعد أن كانت تعيش حياة لا تخلو من بعض الرفاهية.
وكانت الأقدر على مواجهة العقبات، فبينما تقضي معظم نساء العالم أوقاتهنَّ في الأسواق والمطاعم وصالونات التجميل، نرى المرأة السورية تعمل على تأمين المستلزمات الضرورية لاستمرار الحياة في وضع معيشي صعب، وتسعى جاهدة لتنمية قدراتها ومهاراتها سلوكيًا وجسديًا، فتسهم في بناء أسرتها التي هي نواة المجتمع.
“سوبر ماما” في سوريا هي أمٌ ربَّت أبناء مثاليين في مجتمع انقلبت فيه كلُّ معايير الحياة ثمَّ قتلتهم براميل وصواريخ الحقد، وهي أمٌّ أعدَّت أشهى الوصفات من أبسط المنتجات في ظلِّ وضع اقتصادي متردي، هي معلمة تابعت مذاكرة أولادها في وقت باتت المؤسسات التعليمية تعاني من مشاكل متعددة وهدفًا لطائرات النظام، وهي الطبيبة التي ينبغي عليها أن تداوي ما قد يصيب أولادها من إصابات أو أمراض جسدية ونفسية، والأمر الأكثر صعوبة محاولتها البحث عن الأمان لتؤمِّن الحماية اللازمة لهم في ظلِّ ازدياد وتيرة القصف خلال الحرب، ناهيك عن أنَّها عاملة أو موظفة تعمل بهدف بناء الوطن من جديد.
وأمَّا إن كانت زوجة وأمًا عاملة فذلك يزيد عبئًا على حياتها الزوجية، فبعد قضاء يوم منهك عليها أن تعتني بحسن مظهرها وتبتسم على الرغم من معاناتها لتكون الزوجة المثالية والمخلصة رغم الآلام والجراح التي سببتها لها الحرب، ومازالت تشاركه حياته بحلوها ومرها في اليسر والعسر في الحرب كما السلم.
مسألة تقسيم الوقت هي من أكبر العوائق التي تواجه المرأة العاملة في مجتمعنا بالوقت الراهن، وذلك بهدف خلق التوازن بين بيتها وعملها كي لا تقصر في أي منهما، فكثرت المهام على عاتقها على الرغم من أنَّها تستيقظ باكرًا، إلا أنَّ الوقت لا يكاد يكفيها لتكون قد أدَّت كافة واجباتها على أكمل وجه، بالمقابل نرى نساء أخريات موظفات جعلنَ من العمل وسيلة للتسلية وكسب المال من أجل الاستقلال المادي بدلًا من الملل في البيت والعيش تحت رحمة الزوج.
ست سنوات عجاف مرَّت على معظم النساء السوريات فقدنَ خلالها أولادهنَّ أو أزواجهنَّ وبيوتهنَّ ووطنهنَّ، وكان يتوجب عليهنَّ أن يتابعنَ مسؤولياتهنَّ تجاه من تبقى من أسرهنَّ، كما وتغيرَّ خلالها مفهومهنَّ للعمل فأصبح فعالًا وهادفًا، تلك الأمهات الخارقات ضحايا الحرب، هنّ بنظري أعظم نساء الأرض لا يشبهنَّ سوى نساء الروايات، وحبّهنَّ لعملهن وبيوتهنَّ ليس شعورًا عابرًا إنَّما حبًا يسري مع الدماء وينبض مع القلب، فكلاهما أمانة على عاتقها لإنجاز رسالتهنَّ وإثبات ذاتهنَّ.