غسان الجمعة
الأبارتيد عملياً هو السياسة التي حكمت العلاقة بين الأقلية البيضاء والأغلبية الإفريقية والآسيوية في دولة جنوب إفريقيا، حيث شُرعن هذا النظام للتميز الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ضد غير البيض، ومكَّن الأقلية ذات الأصول الاستعمارية من استغلال مناجم الذهب والسيطرة على البنى التحتية ومفاصل الحكم في هذه الدولة.
أبارتيد الأسد الذي رسمته عصابات إرهابية بدعم إيراني روسي بدأ بالظهور للعلن بعد قيام نظام الأسد مؤخراً برفع سواتر ترابية وإقامة أسلاك شائكة في أرياف حماة كمخرج وحيد لوقف سياسة القتل والتدمير التي ينتهجها تحت مسمى مناطق خفض التوتر التي تمَّ التوصل إليها في مفاوضات أستانة وجنيف.
إنَّ هذا الكيان الذي تطمح إليه هذه القوى وعلى رأسها نظام الإجرام الذي يقوده بشار الأسد لا يمكن أن يظهر للعلن إلا من خلال ارتكازه على ثلاث قواعد إجرامية هي:
- القاعدة الديمغرافية “التهجير”:
اعتمد الأسد وداعموه على سياسة التغير الديموغرافي كهدف استراتيجي للمحافظة على نظام الحكم، والقضاء على حواضن الثورة السورية، وقد زادت وتيرة التهجير بعد التدخل الروسي في سورية واعتماد لغة التهجير أو التدمير التي يعرضها الأسد على المناطق الثائرة تحت مسمى “المصالحة الوطنية”
وقد أعلن الأسد صراحة عن هذه السياسة عندما قال: “الأرض لمن يدافع عنها ” وهو وعدٌ بلفوري جديد لأكبر عملية تغيير ديمغرافية في الشرق الأوسط بعد تلك التي نفذها الصهاينة في فلسطين.
يتمُّ حتى هذه اللحظة العمل بهذه السياسة في دمشق ومحيطها وحلب وحمص، وعملية تفريغ بعض البلدات باتت مسألة وقت، عندها ستكون سورية المفيدة لإيران، والدافئة لروسيا الضامنة لبقاء الأسد، وقد أكتمل أول عناصرها بولاء طائفي مذهبي مطلق، وستتولى ميليشيات طهران محاصرة البانتوستانات “معازل فرضت على السود للعيش فيها ” السنية الأخرى ومضايقتها والضغط عليها لتسلك طريق التهجير وخصوصاً أنَّ لديها تجارب سابقة في هذه السياسة بالعراق.
- القاعدة الجغرافية “الاستيلاء على الأرض:
يمهد نظام الأسد بكافة السبل للإيرانيين الاستيلاء على الأراضي وتملكها، تبدأ من سنِّ مراسيم التوسع العمراني ولا تنتهي بقوانين التملك ومنها المرسوم 66 للعام 2012 والقاضي بتنظيم محيط دمشق واعتبار بعض الأحياء تجمعات سكنية عشوائية، حيث أعلنت السفارة الإيرانية في العام نفسه عن رغبتها بالمشاركة من خلال شركاتها وأعلنت عن مشروع ” الأبراج الإيرانية”
كما جندت إيران شبكة من العملاء والتجار بتغطية من أجهزة المخابرات لشراء المنازل في أحياء دمشق القديمة، كما عمدت الضغط على تجار دمشق بشتى الطرق وأبرزها كان افتعال حرائق في أسواق العصرونية والحميدية كبدت التجار الدمشقيين ملايين الدولارات، كما تمَّ افتتاح العشرات من الحوزات الدينية، وتقاسم الوقف الشيعي بعض ممتلكات الأوقاف في دمشق، وأحرقت عصاباتها السجلات العقارية في حمص لطمس هوية ملاكها.
- القاعدة السياسية “غزو السلطة”
هنا تلتقي المصالح الإيرانية مع الروسية بنقطة خلاف تسعى إيران لتحويلها إلى فرصة نجاح لعدم تكرار تجربة العراق مع القوات الأمريكية، فهي تحاول جاهدة عدم إحداث أي تغير على نظام الحكم، كما أنَّها تمهد لولادة حزب الله السوري كذراع إيرانية مستنسخة عن حزب الله اللبناني بحيث يتكفل بوظائف متغيرات المشهد السياسي بالتوازي مع شيطنة أي مكون أو حركة مناهضة لنظام الأسد بالتعاون مع روسيا.
تبقى هذه المغامرة قيصرية الولادة رهن التحركات الإقليمية والدولية الجديدة التي يرفض بعضها تقسيم البلاد وتشكيل غزة جديدة لما تشكله هذه السياسة من خطر على وجودها ووحدتها التي لم يبقَ لها متسع من الوقت للعب الدبلوماسي.