تُعرِّف الموسوعة العالمية ويكيبيديا إدارة المخاطر بأنها عملية قياس وتقييم للمخاطر وتطوير إستراتيجيات لإدارتها، وتتضمن هذه الإستراتيجيات نقل المخاطر إلى جهة أخرى وتجنبها وتقليل آثارها السلبية وقبول بعض أو كلّ تبعاتها.
كانت الضربة الأخيرة على نظام الأسد التي نفذتها الدول الغربية مثالاً تطبيقياً لهذه السياسة، حيث تحولت سياسة هذه الدول إلى إستراتيجية جديدة أخرجت من نطاق أهدافها إسقاط الأسد لاعتبارات المصالح والمخاطر بين هذه الدول.
فبالنسبة إلى الولايات المتحدة لم يعد مجديا أن تتراجع عن تهديدات ترامب، وليس في صالحها أن تنخرط بشكل أكبر في مواجهة لا تعرف نتائجها مع روسيا وإيران مع أن الحملة الإعلامية غير المسبوقة قبل الضربة الثلاثية كان لها وقع أكبر في سياسات وتحركات الحلف الروسي من الضربة ذاتها، كما أن معارضة الدول الأوربية الاصطدام مع إيران و الحفاظ على الاتفاق النووي دفع البيت الأبيض لتقليص حجم الاستهداف و لم يلغه رغم التصريحات المتناقضة بين البنتاغون والبيت الأبيض خلال التحضير للعملية حول (حجمها وأهدافها وموعدها).
لذلك كان الاستهداف عبارة عن ساعي بريد أكثر من قصف بالصواريخ المجنحة أرادت خلط الأوراق بين الدول الإقليمية وحفظ ماء الوجه للدول الغربية بعد الاستخدام المتكرر لنظام الأسد للأسلحة الكيماوية، ومن جهة أخرى حققت لترامب رغبته بتقديم فاتورة الاستعراض الغربية لدول البترودولار.
أما بالنسبة إلى الدول الأوربية فقد حققت أهدافها بإظهار شيء من الندية أمام طموحات بوتين، وردت الصفعة الروسية عندما سممت الجاسوس المزدوج سكيربال وأظهرت نفسها على الساحة الدولية بأنها لا تتهاون مع استخدام السلاح الكيماوي.
إن كل من يظن أنه ليس لدى الدول الأوربية والإدارة الأمريكية إستراتيجية تعامل مع الملف السوري هو مخطئ؛ لأن هذه الدول تريد إبقاء الوضع على حاله من أجل استمرار حالة الاستنزاف للدول المنخرطة في المستنقع السوري، فإنهاء الصراع بضربة كبيرة بدلا من إدارته لن يحدَّ من صعود تركيا ولن يستمر أيضاً استنزاف الاقتصادين الروسي والإيراني.
لذلك تسعى الدول الغربية لتحقيق التوازن بين أطراف الصراع بالسبل الممكنة لضمان ديمومته،
وإن تسريبات وول ستريت الأخيرة حول دراسة يجريها البيت الأبيض لاستبدال قواته بأخرى عربية هو تأسيس لإيدلوجيا جديدة من التنافس و الصدام بعد القضاء على شماعة داعش، فالرغبة الأمريكية بصدام عربي إيراني ظروفها متوفرة بين شرق الفرات وغربه و سيحقق سنوات قادمة من الحروب الطاحنة التي ستملأ جيوب العم سام بمليارات الدولارات، وستضعف القاعدة الشعبية للجمهورية التركية في العالم العربي لأنها على تماس مباشر مع الملف الكردي في ظل فتور وتراشق إعلامي و دبلوماسي بين مصر والسعودية والإمارات من جهة وتركيا من جهة أخرى.
إن النظرة الغربية للملف السوري ظاهرها إنساني وسياسي، بينما في الحقيقة ليست سوى استثمارا اقتصاديا قاعدته العريضة المثل الشعبي (لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم).