غسان الجمعة |
منذ أن تدخلت الولايات المتحدة في سورية إلى جانب الميليشيات الكردية اختلت محددات العلاقة بين أنقرة وواشنطن ونقلتهما إلى خانة الحلفاء الأعداء، وزاد تعقيدها تطور مستوى العلاقة بين تركيا وروسيا التي لعبت على وتر المتناقضات بأسافين اقتصادية وعسكرية وأخرى سياسية.
غير أن الموقف الأخير للولايات المتحدة من النوايا التركية تجاه شرق الفرات وإخفاقات أستانة شكل انعطافة بزاوية انفراج سياسي بين الرؤية التركية والأمريكية لحل الملف السوري، وهو ما قابلته روسيا على لسان محدثتها زخاروفا بليونة مشابه للموقف الأمريكي حول خطط أنقرة في شمال شرق سورية.
إن العملية التي تحضر لها تركيا ضد الميليشيات الكردية لم تحرك بالإدارة الأمريكية سوى شعور القلق البانكيموني، بينما تلقتها الميليشيات بالظروف نفسها التي سبقت عملية غصن الزيتون.
الحرب على داعش تضع أوزارها الدموية على أشلاء المدنيين في جيب هجين بتنفيذ قسد ودعم التحالف، ممَّا يعني قرب انطفاء شماعة داعش وانتقال حيثيات الصراع في سورية إلى مرحلة جديدة في الغالب ستكون وقودها الميليشيات الإيرانية وتضحيات الشعب السوري باقتسام سلة الحل السياسي، وهو ما يفرض على اللاعبين توسيع دائرة التفاهمات والتحالفات لمرحلة أكثر صعوبة وهو أول المسببات التي دفعت الولايات المتحدة لإدارة ظهرها لبيدقها الانفصالي.
تركيا في حال مضت بتهديدها للتنفيذ ستتحول من مرتبة منازع إلى وصيف للإستراتيجية المسيطرة على الملف السوري في ظل تضارب الرؤى بين الروس والأمريكان.
وبعكس قواعد الفيفا تلعب الدول الوصيفة في عالم السياسة دور تثقيل الأجندة وفقاً لمصالحها ولقواعد الدبلوماسية العالمية في إدارة الصراع بين أقطاب المصالح باعتبارها بيضة القبان منعاً للصدام المباشر فيما بينها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بناء على معطيات الموقف الأمريكي المنسجم مع خطط أنقرة، هل منحت واشنطن الضوء الأخضر لتركيا بهدف إخراجها من حضن السياسة الروسية بعيداً عن تصورها للحل في سورية، وفي الوقت نفسه إعادتها إلى دورها التقليدي في حلف الناتو؟
أم أنها تهدف لإدخالها في نفق الاستنزاف المخطط بعد فشل محاولات عديدة لتقويض استقلالها الوطني بكل أبعاده من خلال إثارة حساسيتها القومية تجاه الميليشيات الكردية، وذلك لسحب قدميها لمستنقع تبدأ ضحالته من تحت قدميها في الداخل التركي ويزداد عمقه بتوريطها شرق الفرات؟
التعامل الأمريكي على أرض الواقع مع انطلاق الحملة سيكشف زيف الموقف الأمريكي من جديته، مع أن المؤشرات مفتوحة للحظة كتابة المقال على كل الاحتمالات، فالانسحاب الأمريكي من بعض المواقع التي تحشدت القوات التركية أمامها يناقضه استمرار الحملة العسكرية في هجين دون إيقافها من قبل الميليشيات الانفصالية على غير عادتها بطريقة الاحتجاج على التهديدات التركية، فهل تلقت تطمينات حقيقية أم مسكنات موضعية؟
في حين تبقى إستراتيجية توازن المصالح صمام أمان بيد السياسة التركية تمنع سقوطها في شراك المقامرة السياسية والعسكرية وتحويلها من قبل أي طرف من شريك مصالح إلى منفذ سياسات.