غسان الجمعة |
ما يدور في منطقة خفض التصعيد الأخيرة من تقدم لميليشيا الأسد بدعم روسي خلَّف موجة نزوح وقتلى، وأدى إلى زعزعة الثقة الشعبية على عكس ما حصل من ثقة قبل عقد آستانة13، حيث منيت روسيا وحلفاؤها بهزائم وخسائر، وقوبلت بصد وصمود رفده دعم شعبي وصل حدَّ المشاركة بالتحصينات والدعم اللوجستي، وتشكلت سرايا مقاومة محلية لدعم خطوط الجبهات كلفت الميليشيات المهاجمة فاتورة باهظة عن كل متر تتقدم إليه، وكان المزاج الشعبي مع استمرار المعركة رغم تضحيات المدنيين التي كانت روسيا تغطي هزيمتها بارتكاب المجازر بحقهم ثابتًا نتيجة الصمود والتصدي وعدم تكرار سيناريو جولات آستانة السابقة.
إلا أنه وعقب الهدنة التي لم تجد لنفسها متسعًا سوى على وسائل الإعلام، حدث اختراق لعمق منطقة خفض التصعيد وتقدم سريع فسره الشارع بالبيع أو التبادل والتسليم، والبعض خون الآخر وفُتح باب التكهنات على مصراعيه..
علينا أن نقف عند هذه التكهنات التي أرهقت الشارع وأصابته بالتخبط، فمسألة الانسحاب وإلقاء اللوم على بعض الفصائل بعدم المشاركة الفعلية فيه من الإجحاف الكثير، فعندما ينسحب المقاتلون من بعض القرى بسبب كثافة القصف وهول ما تُسقطه الطائرات، وهو أمر لا يمكن لبشر أن يحتمله، يجعل الاحتفاظ بهذه المناطق فكرة من أفكار الانتحار عملياً، وبالعلم العسكري أنت تستدعي عدوك ليقتلك بدقة، وهو ما حصل بأكثر من منطقة وبتصوير وتوثيق جوي روسي لأي تحرك في خطوط المواجهة.
وفي الوجه الآخر لتفسيرات ما يحصل، فإن إشاعة عملية مقايضة المنطقة الآمنة بمنطقة إدلب فيها من المغالطة الكثير، فليس لروسيا ثقل في تلك المنطقة حتى تتقدم إليها تركيا بقرابين سياسية للحصول على ما تُريد، وليس للميليشيات الانفصالية ثقة بالجانب الروسي كما هي لدى التحالف الدولي، وكلاهما ملف منفصل عن الآخر، عقدة الربط بينهما هي الدبلوماسية التركية التي تُجيد فن المساومة في الساحتين كل على حدا، كما أن بقاء نقاط المراقبة وعدم انسحابها رغم اقتراب المعارك من بعضها وتعرض بعضها للقصف واقتراب الحصار من أخرى ينفي وجود هذا التفاهم بين الجانبين الروسي و التركي.
الواقع يكشف تطبيق اتفاق سوتشي بالقوة، فهو التفسير الأقرب للأحداث الجارية وبمعزل عن الجهات المنفذة أو المتواطئة في الداخل، فإن بوادر الاتفاق ومعطيات التطبيق عديدة وعلى رأسها:
تقليص الدعم للمعارضة: الظرف الذي استغلته ميليشيات الأسد وحققت عدة تقدمات على مناطق كبيرة مثل: الهبيط بالمدرعات الثقيلة، بينما كانت تذوق الويلات للوصول إلى نقطة على خطوط التماس قبل اجتماع آستانة13 وهو ما نفاه بعض القادة العسكريين والسياسيين في المعارضة إلا أنه كان جلياً على أرض المعركة ضعف التسليح بمضادات الدروع أو الإحجام عن استخدامها في مناطق معينة.
خان شيخون: هي الهدف الذي كان ماثلاً أمام ميليشيات الأسد وواقعاً على الطريق الدولي M5 والتي أضحت على مشارفه ولم تتقدم إليه؛ لأنها ستحاصر النقطة التركية في مورك، ممَّا يسبب إحراجاً لتركيا وتحدياً لها من قبل النظام السوري الذي لا يجرأ على ذلك ما لم توجهه روسيا له، وهنا يمكننا القول بوجود تفاهم روسي تركي حول عدم السيطرة على خان شيخون للآن.
التدخل المفاجئ للقوات الإيرانية: حيث إن الحملة الروسية عانت الكثير ولم تتدخل إيران قبل ذلك لحساباتها الخاصة مع تركيا ونكاية بالتقارب والتفاهم الروسي الإسرائيلي الأمريكي حول وجودها في سورية، غير أنها عقب آستانة الأخير شاغلت واقتربت من محاورها شرق خان شيخون بتكتيك بطيء لم نعهده بسياسة الميليشيات الإيرانية، وهو ما يؤكد وجود تفاهمات لحركتها واتجاهاتها وثقلها في إطار (الثلاثي الضامن).
الخاسر الأكبر هو المدنيين والمعارضة السورية، فتحول السيناريو في إدلب إلى مسلسل تراجع سيؤدي إلى فقدان الحاضنة الشعبية، ويُشكل ضغوطًا على المعارضة في استحقاقات سياسية قادمة على رأسها إعلان تشكيل اللجنة الدستورية.