بقلم غسان الجمعة |
في غمرات الثورات العربية، وفي ظلِّ تسارع الأحداث في بعض البلدان العربية على الصعيد السياسي والاجتماعي، عملت الأنظمة القمعية على تحجيم الاحتجاجات المناهضة لاستبداد الديكتاتوريات من خلال تشويهها إعلاميا أو تضييق الخناق على ناشطيها ومحاربة أية وسيلة إعلامية تسعى إلى تغطية هذه الأحداث.
وقد كان واضحًا لمختلف شرائح المجتمع المدني تسلُّط الحكومات وأجهزة المخابرات على وسائل الأعلام الوطنية، ورافق ذلك على مدار عقود توسيع الفجوة بين المجتمع والإعلام، وتميع رسالة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وذلك من خلال توظيفها كأبواق إعلامية رسمية أو شبه رسمية تحت مسميات رنانة مثل: صوت الشعب أو الوطن أو العربية أو …وقد دعت الحاجة الملحة في مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة لمحاربة هذه السياسات التي شوَّهت الحقائق وارتكبت المجازر وسط تكتم وتضليل لدرجة وصوله إلى قلبِ الحقائق رأسًا على عقِب، إلى اتباع وسائل جديدة لتغطية أنشطتها ونقل صوتها لمحيطها الداخلي والخارجي.
برزت فكرت الصحافة المدنية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي دأبت بشدَّة لنقل ثقافة المجتمع من مستوى الوعي الفردي وحقيقة الشارع، إلى مستوى الوعي العام وكشف ممارسات السلطة وقمعها، وغَدت وسائل التواصل الاجتماعي فضاء للحرية يمنح الأفراد قدره على النشاط الطوعي الحرِّ من خلال شبكة الأنترنت بوسائل وأدوات أزالت العوائق التكنولوجية بين المحترفين والمبتدئين من خلال عدسات الجوال وكاميرات بسيطة وإنشاء صفحات الفيسبوك وبعض المدونات وغرف التواصل على عدة تطبيقات منحت الناشطين نوعا من السرية وسرعة النقل والاجتماع على أرض الواقع و العالم الافتراضي، وأضحت هذه العدسات مصدرا للمادة الإعلامية لكبرى مؤسسات الإعلام العالمية، وقد لقيت هذه الصحافة التي يقوم بها المواطن بوسائله المتاحة رواجًا وصخبًا دفعت وسائل الإعلام لتسهيل مشاركة المجتمع في الصناعة الإعلامية من خلال تسهيل وصول المشاركات الإعلامية لأروقتها وغرف أخبارها، وأفردت لها مساحات واسعة تحت مسميات الصحافة التشاركية أو الشعبية أو الإعلام البديل.
ونقلت المواطن من شريحة المستهدف والمتلقي إلى شريحة المشاركة وصناعة الحدث، وغدت العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع علاقة تكاملية يؤثر ويتأثر فيها كلا الطرفين، في حين كانت وسائل الإعلام أداة تأثير قمعيَّة بيد من يحكم قبضته عليها.ونعتقد أنَّ هذا النمط والوجه الجديد من الصحافة سيتطور وينمو باستطراد مع زيادة وتفاعل عناصره في عالمنا العربي بشكل خاص والإسلامي بشكل عام، لأنَّ الإعلام هو مرآة المجتمع ومقياس تطوره الثقافي والاجتماعي والسياسي من خلال نقل ثقافته وتوجهاته ومطالبه للتيارات السياسية التي تسعى إلى تمثيل المجتمع في سدَّة الحكم، وسينتقل بعد ذلك هذا الإعلام ليلعب دورا جوهريًّا في تحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء الدولة بما يناسب عاداته وتقاليده وطابعه الحضاري والثقافي، وسيكون المواطن الصحفي أكثر مصداقية وشعبية من وسائل الإعلام التقليدية بأشواط كبيرة، وسيكون السلطة الحقيقية للمجتمع التي توجه وتدفع باقي سلطات الدولة نحو أهداف المجتمع وتطلعاته في شتى المجالات ..