غسان دنو |
يلجأ بعض الأشخاص والعائلات للتسول أو ما يعرف محليًا (بالشحادة) لطلب المال أو الطعام عبر استجداء الأشخاص في المجتمع، وإثارة عواطفهم من حنية وطيبة مع شيء من التباكي المؤقت من قبل المتسول؛ لحث الشخص المستهدف بدفع أي شيء حتى ولو كان أفقر منه.
ولأن رمضان موسم الخير والبركة عند عموم المسلمين ودفع الصدقات وأموال الزكاة، تزداد أعداد المتسولين، فالمجتمع الإسلامي يبحث عن فقير ومحتاج ليمنحه زكاة الفطر.
صحيفة حبر تجولت لأسبوع في شوارع مدينة إدلب وتمت رصد العشرات ممَّن يمارس عادة أو مهنة التسول، وذلك في محاولة لمعرفة هل كل من يتسول محتاجًا؟ أم أن التسول استشرى ليكون مهنة في ظل قلة فرص العمل وتهجير الملايين من أبناء المحافظات السوريين وتجمعهم في الشمال السوري؟
استطاعت الصحيفة رصد ثلاث حالات لنساء يمارسنَ التسول بوجود ورغبة من المعيل (الأب –الزوج) في أحد المساجد وفي أيام متفرقة وأوقات صلاة مختلفة، حيث ينتظرنَ خروج المصلين لاستعطافهم، ومن خلال مراقبة بسيطة بعد خروج النساء المتسولات من المسجد، رصدنا وصول دراجة نارية لتقلهنَّ إلى المنزل، وذلك في الحالات الثلاث من مسجد (أبي ذر الغفاري) بجانب دوار الشمعات.
كما رصدنا حالة غريبة لطفلتين لا يتجاوز عمرهما 13 عامًا بعد خلع العباءة (عدة التسول) التي استخدمت لإيهام الناس بأن المتسولة امرأة، حيث تعدُّ المرأة السورية الأكثر معاناة جراء ما تعرضت له خلال الثورة السورية (أرامل-يتامى).
والاستغلال من قبل البعض ليس فقط لشخص المرأة، بل اجتاح قطاع الطفول بشكل شرس منتهكًا براءتهم ومستغلاً عدم قدرتهم باتخاذ القرار، فمن خلال تجولنا في منطقة دوار الكرة حتى منطقة الساعة بمسافة لا تتجاوز 100 متر، قابلنا أكثر من 10 أطفال حفاة الأقدام بملابس رثة ووجوه عطاها الغبار والأتربة يلحقون بالمارة ويمدون أيديهم عبر نوافذ السيارات لطلب المال، وعلى الرغم من كل تلك القسوة والحزن بشكلهم تراهم يلعبون ويضحكون ويتجاوبون معك بابتسامة دافئة عندما تطلب منهم الوقوف لالتقاط صورة.
وللتحقق من أمرهم، وأين يقطنون، أخبرتنا أم محمد (شحادة محترفة) خلال وجودها بقربنا وهي غاضبة: “أهلهم يملكون غنمًا وماعز فوق الأوتستراد، وأشارت إلى اتجاه جامع شعيب”.
بدورنا سألنا (أم محمد) لماذا تشحذ فقالت: ” لم أعد أشحذ، إنما أبيع المحارم (مناديل ورقية) الآن” لكنها لم تخفِ أنها تقبل النقود ممَّن يعطيها ولا يأخذ علبة المناديل.
وفي سياق متصل هناك متسولون من نوع محترف بقوة، حيث تابعت (صحيفة حبر) سيدتين بعد انتهاء وقت التسول في الجامع، اتجهتا نحو المخبز وحصلتا على ربطة خبز مجانية، ثم تابعتا طوال الطريق حتى سوق الصاغة بمد اليد إلى أي سيارة متوقفة أو شخص يمر وينظر إليهما، بالإضافة إلى وجود عدة حالات تم رصدها تتسول وجبة الإفطار أو ساندويش من المطاعم والمحلات، وهذه الفئات تختلف تمامًا عن فئة أخرى خرجت من الجامع نفسه لتشتري بمال التسول حاجاتها من بسطات الخضار بقرب جامع (أبي ذر).
ومما سبق نستنج أن التسول لعشرات الأشخاص إن لم نقل المئات في محافظة إدلب، لم يعد فقط حاجة، بل مهنة تكونت نتيجة فقر أو ارتفاع الإيجارات، حيث أفادت مصادر لحبر أن هناك من يتسول لأيام قليلة مرة كل شهر بغية حصوله على مال يدفع به إيجار بيته الذي يقطنه.
ومهما تعددت الأسباب وتنوعت، يبقى التسول عادة دنيئة في المجتمعات العربية والإسلامية، وهنا توجه حبر التساؤل للمنظمات والجهات الحكومية المعنية بخدمة المجتمع، لماذا لا يتم إجراء استبانة للمتسولين للكشف عمَّن هو بحاجة فعلاً، ومن هو ضحية لاستغلال أب أو زوج لا يعمل ويتكل على أولاده وزوجته في جلب قوت يومه، وهو يركب دراجة نارية أو سيارة؟!