لو أجرينا استبانة داخل المناطق المحررة توازن بين سلبيات التوزيع الإغاثي وإيجابيّاته ماذا تكون النتيجة؟ السلبيات أكثر أم الإيجابيات؟ لكن كيف يمكن أن تكون المساعدة سلبية التأثير؟
ألم يربط معظمنا صدق الثورة بالسلة الغذائية؟ ألم يطعن الكثيرون منَّا بمصداقية المجالس والفصائل والمنظمات بحجة سرقة المساعدات أو سوء توزيعها؟
يوماً بعد يوم تزيد مشكلات التوزيع الإغاثي بين الثالوث الاجتماعي (المنظمة والمجلس والمستفيد) حيث لم تعد المشكلة مشكلة مستحقٍ أو غير مستحق، بل وصلت إلى إطلاق النار بين المستفيدين المتصارعين للحصول على الكنز المفقود الذي حول كثيراً منهم إلى عاطلين عن العمل ينتظرون السلة أو أي مساعدةٍ أخرى تُوزع على شاكلتها، أضف إلى ذلك التأثير السلبي الذي خلقته الإغاثة بين المجالس المحلية والناس وكل من أدخل عقله في سلالها المغلقة.
فمن هو المسؤول عن هذه المشكلات؟ المنظمة أم المجلس؟ أم الفصائل العسكرية؟ أم المستفيدون؟
إنَّ التفات المنظمات إلى الإغاثة وابتعادها عن الجانب التنموي الخدمي أدَّى إلى تراجع في البنية الخدمية في المناطق المحررة تتلخص في سوء الطرقات وشبكات المياه والكهرباء في معظم البلدات داخل المناطق المحررة، وذلك بسبب رفض المنظمات التعاون مع المجالس المحلية في إنجاز المشاريع الخدمية التي تتربع هرم الحاجات من حيث الأهمية، ممَّا دفع المجالس المحلية إلى إقامة مشاريع خدمية مدعومة إما من قبل أشخاص معينين أو من خلال الجباية.
لكننا لا ننكر الدور الإيجابي الذي لعبته بعض المنظمات المدنية في تبني شعار المال من أجل العمل، وذلك من خلال منح العائلات قروضاً للقيام بمشاريع مختلفة، وبذلك تكون قد ساهمت في التخفيف من البطالة ودعم اقتصاد المناطق المحررة، كما أنَّها ضمنت مورداً دائماً لهذا المستفيد يسد حاجته للمساعدات ويضمن له العيش الكريم.
صحيفة حبر زارت عدداً من المجالس المحلية في ريف حلب وإدلب وطرحت مشكلات الإغاثة والخدمات التي تعاني منها هذه البلدات، وجمعت الآراء، علماً أنَّ بعض المجالس تحدث عن مشكلات إغاثية وخدمية كثيرة، لكنَّها رفضت ذكر اسم المجلس والسبب واضح.
إقرأ أيضاً: المنظمات المدنية تحت مجهر المجالس المحلية – ملفات الفساد 2
ومن هذه المشكلات التي ذكرتها المجالس وطلبت الحفاظ على سريتها: تدخّل الفصائل في عمل المجلس وسيطرتها على معظم المباني التي تخدم العمل التنموي الخدمي وتحويلها إلى مقرات عسكرية، إضافة إلى اعتداء بعض الفصائل على المجالس وتدخلها في عمله بحجة أنَّه يسيء توزيع الحصص الإغاثية، أو لأنَّه لم يعطِ حصصاً كافية لعناصر الفصيل، وطرحت المجالس مشكلات أخرى منها رفض المنظمات التعاون مع المجلس، أو تعاون المنظمات مع الجمعيات التي تغطي سرقات المنظمة، وفساد موظفيها.
وسنطرح تجربة مجلس (كفر عويد) التي تحكي تجارب مجالس أخرى على أن يتم طرح مشكلات باقي المجالس في التحقيق القادم.
مجلس كفر عويد: “تقوم المنظمات بتوزيع حصص قليلة، ممَّا يسبب مشكلات بين المواطنين يتحمل المجلس عبء حلها، كما توجد منظمات توقع مذكرات تفاهم مع المجلس لكنها تلغيها بعد فترة، وتقوم بتوقيع مذكرة أخرى مع جهة ثانية بحجة الضغط، وهذا ما حدث معنا مع مؤسسة خير التابعة لمنظومة وطن التي قامت بتوقيع مذكرة مع جمعية فلاحية لتوزيع عدد من الأغنام، وعندما طالبنا بمذكرتنا الموقعة مسبقاً والمختومة من مجلسنا رفضت المؤسسة إعادتها، وحاولنا التواصل مع المسؤولين لكن دون جدوى، وبدورنا أعلنا للأهالي أنَّ المجلس غير مسؤول عن المشروع وآلية التوزيع المتبعة فيه.
ويعاني المجلس من ضعف المشاريع الخدمية، ممَّا دفعنا للقيام بعمل شعبي قائم على التبرعات من أجل حفر بئر ماء لتوفير المياه للمواطنين، وتم استخراج المياه، وتقوم الآن منظمة HAND IN HAND بتنفيذ المشروع من بناء محطة وأجهزة وغير ذلك بغية إيصالها للمنازل.”
وللبحث أكثر في مشكلة المجلس مع مؤسسة خير زُرنا أحد الأشخاص المطلعين على الحادثة الذي طلب عدم ذكره اسمه أو اسم الفصيل.
(م.ع): “بعد أن وقعت مؤسسة خير مذكرة مع جمعية فلاحية مشكَّلة من قبل مدير الزراعة، طالب المجلس المحلي بالمذكرة التي تحمل ختم المجلس المحلي، لكن المؤسسة رفضت، وأبلغوا إحدى الفصائل التي قامت بتهديد المجلس، ورفضوا تسليم المذكرة، وبذلك يكونون قد استجروا دعماً بختم المجلس، وقامت بالتوزيع جمعية غير قانونية من أجل الحصول على أرباح طائلة، واستولت الجمعية ومدير الزراعة على أكثر من 50 رأس غنم عند التوزيع. وما أعلمه أنَّ المجلس تواصل مع أحد المنسقين الذي قام أيضاً بنقل الصورة للفصيل العسكري ذاته، ممَّا دفع الفصيل للاستنفار لكي يعتقل أعضاء المجلس.”
وتبقى مشكلة مجلس كفر عويد كغيرها من مشكلات المجالس الأخرى تنتظر الجهة الرقابية التي تشد عضد المواطنين الذين ثاروا على إدارات الطمع والتبعية والرشوة والمحسوبيات، لكي يدمروا مفاهيم التملق والفساد لا لكي يستنسخوها.