التعليم في المجتمع يفتح أبواب التغيير الفكري بمفاتيح البحث والتجربة ومواكبة العلوم الحديثة التي تتبدل كل لحظة بفضل جهود العلماء التي تفرض على الدول تعديل المناهج العلمية بما يتماشى مع كل نظرية وعلم جديد.
إن تعديل المناهج العلمية بما يناسب الثورة العلمية يساهم في توسيع مدارك الطالب وإبقائه على اتصال دائم مع العلوم والشعوب، كما ينمِّي الفهم السياسي لديه لذلك استمر النظام باعتماد المناهج ذاتها لعقود كي يبعد الطالب السوري عن العجلة العلمية وعن التقدم الذي وصلت إليه الشعوب خشية قيام تفكير يعارض سياسة حزب البعث الذي احتكر التعليم وحشر مبادئه في كل المراحل العلمية محاولاً تقييد التفكير والقضاء على كل مظاهر التعددية التي تحاول الخروج على حكم الحزب الواحد.
وفي سنوات الثورة ومع افتتاح الجامعات داخل المناطق المحررة اُعتمدت هذه المناهج مع إضافة تعديلات ووجود حرية في التعبير، فشرع العلم يستمد مادته من الواقع ويعيدها إليه نظرة مستقبلية تحاول التخفيف من معاناة الشعب السوري.
لقد استطاع التعليم العالي تحويل العلم إلى أداة لتطوير العمل المجتمعي المباشر دون القيود التي وضعها النظام لقبول الشباب في مؤسساته، فأصبح طالب قسم الإعلام صحفياً منذ التحاقه بالكلية نتيجة ما رآه من ممارسات النظام بحق الصحفيين وطالب قسم التربية باحثاً في مشكلات المجتمع السوري وتأثيرات الحرب من منظوره الخاص دون خوف من الملاحقة القانونية، وساهم طلاب الطب في إسعاف الجرحى نتيجة نقص الكوادر، وشرع طالب كلية الآداب في اللغة العربية والتاريخ يخوض في تفاصيل الأدب المناهض لحكم آل الأسد وتاريخه الأسود الذي شوهه في مناهجه بما يخدم أهدافه في قتل الإبداع.
وقامت الجامعات الحرة ومعاهد إعداد المدرسين بتغيير مناهج وتعديل أخرى بما يواكب العلوم الحديثة وتقنيات العصر، وللحديث أكثر عن التغيير الذي أحدثه التعليم العالي في المناهج العلمية التقت صحيفة حبر الدكتور محمد رامز كورج مدير معهد حلب لإعداد المدرسين وعضو في الهيئة التدريسية في جامعة حلب الحرة الذي صرّح لصحيفة حبر: “التغيير جلي ظهر بين الطلبة إذ كان التعليم مسيساً بشكلٍ كبير والنظام لم يغير المناهج لأنه لم يبقَ له رسالة يوصلها لحاضنته إلا من خلال التعليم المسيس والإعلام، أما في جامعة حلب الحرة يستطيع المحاضر التعبير عن رأيه بكل وضوح وشفافية بعيداً عن الرأي المسيّس وهذا ما جعل عملية التأثير بين المعلم والطالب تكون أقرب، حيث لا يدَّ سياسيةً ولا فكرًا حزبياً يتابعك مما ساعد على انفتاح العملية التعليمية للتعبير عن قضايا علمية شائكة لم يكن يستطع الخوض فيها قديماً”
ما هي القضايا التي كانت ممنوعة على الطالب ويستطيع اليوم تناولها؟
“سُلط الضوء على مشاكل الحروب، وأثر التسلط في سورية، واحتكار خيراتها لفئة معينة في كلية التربية، كما أصبح الطالب يعبر عن القضايا التي تهمه ويتناولها في حلقات بحثه ورسائل الماجستير، كقضية الثورة والمقاومة في شعر (عمر أبو ريشة) في كلية الآداب”
هل يوجد محاولات جادة لتطوير المناهج العلمية أو تغييرها؟
“هذا شيء مؤكد سواء في الجامعات أو المعاهد المتوسطة، فقد بدأ المحاضرون يضعون مناهج مناسبة للواقع التعليمي والفكري الذي يخدم المرحلة بعد تغيير 50% من المناهج القديمة، إضافة إلى أن كل المعاهد عملت على منهاج تجريبي مدة عامين فقط من أجل وضع النقاط الإيجابية والسلبية، ومن المتوقع إقامة ورشة عمل مغلقة في الشهر السابع مدتها ثلاثة أيام للنظر في المناهج على مستوى كل المعاهد في المحرر وتطوير كافة المناهج”
كيف نطوِّر المناهج التعليمية والطرق التدريسية؟
“بجذب أصحاب الخبرات ممن حَكم عليهم النظام بالدفن الفكري للمشاركة، وعقد ورشات عمل دائمة لمتابعة المناهج وإضفاء التقارير العلمية عليها من إيجابيات وسلبيات، بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا العلم والبعد عن القضايا السياسية المحضة التي تتغير بين الفينة والأخرى مع الاطلاع على المناهج العالمية.
وعدم تطوير المناهج سيؤدي إلى جمود في التعليم مع بقاء الواقع العربي متأخرًا في تصنيف الجامعات العربية لأنها لم تُغير من مناهجها منذ عشرات السنين”
لماذا لا يقوم النظام بتعديل المناهج القديمة؟
“لأنه لو أراد ذلك سيكون كل التغيير في خدمة الفكر الإيراني الروسي، وهذا لو حدث فلن يرضي كل رواد التعليم في مناطقه وسيحدث ضجة سياسية علمية كبيرة جداً؛ لأن الفكر العلمي والسياسي دائماً يحتاج إلى تطوير يقدم من خلاله رسالة تعالج المناهج النفسية والوقائع السياسية والآلام الموجودة على الأرض وذلك ما لن يستطيع النظام فعله”
إن تغيير المناهج الدراسية في المناطق المحررة ضرورة علمية لتطوير الواقع العلمي والتخلص من السموم التي بثها النظام في المناهج القديمة وخلق نهج تعليمي يرسخ المفاهيم العلمية والقيم الإنسانية ويعايش الاختراعات والتقنيات الحديثة، فالطالب السوري معروف بذكائه وهذا ما ظهر في النجاح العلمي لعدد من السوريين في الدول الغربية عندما توفرت لهم الوسائل العلمية والمناخ العلمي الملائم لبيئة الإبداع.