بقلم : سلوى عبد الرحمنالانقطاع المستمر للمياه في معظم مناطق الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام جراء استهداف كافة المنشآت الخدمية ومحطات توليد الكهرباء، دفع الكثيرين لامتهان بيع المياه عبر الصهاريج، حيث يحصلون على المياه من الآبار والينابيع، فلا تكلفهم سوى القليل من المحروقات، لذلك باتت تجارة مزدهرة وبأسعار مرتفعة بسبب غياب الرقابة، فهي حاجة ضرورية للمواطنين لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة بعد انقطاع الخط الإنساني المغذي لمضخات المياه في (سيجر) عن مدينة إدلب.تحتاج هذه المهنة لسيارة نقل صغيرة “سوزوكي” وخزان مياه له سعات مختلفة حسب حجم السيارة، بالإضافة لمضخة تعمل على البنزبن ليتم من خلالها إيصال المياه للبيوت والمحلات بواسطة خرطوم كبير، ويجني الكثير من الشبان مردودا ماليا جيدا بمجهود قليل، ومعظمهم يملأ الصهاريج من الآبار المحيطة بالمدينة، وبعضها قد يكون غير صالح للشرب بسبب امتلائها بالرواسب والحصى.أبو عمر مالك أحد الصهاريج في مدينة إدلب قال لصحيفة حبر: ” سابقاً كنت أعمل بنقل احتياجات وممتلكات مختلفة للسكان من المدينة إلى الريف أثناء القصف، إلا أنني مؤخرا اشتريت خزانا سعته ألفي لتر ومضخة، وأصبحت أبيع الماء ضمن المدينة للأهالي، خاصة وأن المياه في الفترة الأخيرة لا تضخ للبيوت سوى مرتين شهريا، وأعتمد في تعبئة خزاني على الآبار والينابيع، ويختلف سعر اللتر من المياه حسب سعر البنزين، وحاليا سعر الألف لتر 1200 ليرة سورية”.تختلف أسعار الصهاريج من بائع لآخر، كما وترتبط بأزمة المياه، ففي حال توقف ضخ المياه نهائيا ولفترة طويلة قد يصل سعر الألف لتر إلى أكثر من 2000 ليرة، الأمر الذي يحول أولئك البائعين إلى تجار محتكرين ومستغلين يتحكمون بالسعر حسب حاجة الناس للمياه.وأضاف أبو عبدو البنشي أحد سكان مدينة إدلب لصحيفة حبر: ” قبل تحرير المدينة، وعند انقطاع المياه كان الشبيحة يتحكمون بالصهاريج وأسعارها، أما في الوقت الحالي لا رقابة على البائعين من قبل المجالس المحلية أو البلدية، والبائعون عديمو الأخلاق، ودائما يسعون لتعبئة المياه للأغنياء أولاً”.بعض الفقراء يقومون بتعبئة المياه من المناهل القريبة من منازلهم “بالبيدونات “ومعظمهم من الأطفال ممَّن زادت الحرب معاناتهم، في محاولة منهم لمساعدة ذويهم لتأمين مياه الشرب، الأمر الذي جعل منهم رجالاً قبل الأوان، وقد أضحى طابور الماء والخبز والمساعدات مكان الكثير منهم بدلا من مقاعد الدراسة.خلفت أزمة المياه أعباء مادية جديدة على المواطن منذ بدايتها، إضافة للانقطاع المستمر للكهرباء، والغلاء في كافة المناطق السورية في ظل غياب منظومة رقابية وتنفيذية لكافة الخدمات التي تزداد سوءا يوماً بعد يوم، حتى في المدن والبلدات الخاضعة لمناطق النظام خاصة في حلب، حيث تحتكر جميع صهاريج مؤسسات الدولة لخدمة مرتزقته وقواته، فيبقى المواطن هو الخاسر الأكبر في تلك الحرب التي تبدو لانهاية حاسمة لها.