الصورة قديما كانت توثق أهم وأغلى اللحظات في حياتنا، ربما لأنها كانت مكلفة إلى حدٍّ ما، ولم تكن متاحة في أي وقت نشاء كما هو الحال في هذه الأيام. فأنت اليوم تستطيع في أي لحظة وفي أي مكان أن تلمس لمسة خفيفة على تطبيق الكاميرا في جوالك لتلتقط صورة بالألوان، ليس هذا فحسب بل وبدقة عالية لم تكن توفرها الكاميرات القديمة، ليتحول التقاط الصور ونشرها إلى هوس أصاب الكثير من الناس في كل أنحاء العالم وخاصة الشباب.
وقد يحتاج ذلك الهوس إلى دراسات نفسية مطولة تشمل عينة كبيرة من المهووسين لمعرفة دوافعهم الحقيقية وراء التقاط الصور طوال الوقت ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، وقد يكون الدافع هو الفراغ أو الشعور بالوحدة أو الحاجة للمشارك، وقد يكون شيئا آخر كالتفاخر وإبراز المكانة الاجتماعية، وقد يكون لإغاظة الآخرين وتوجيه رسائل قاسية لهم من خلال صورة!
في عالمنا العربي، وبالعودة إلى عشرين سنة ماضية، نجد أن الصورة كان لها طقوس وأجواء تختلف كثيرا عمَّا هي عليه الآن، فالأعياد والمناسبات السعيدة والسفر والرحلات هي أكثر الوقائع التي تستحق التدوين من خلال الصورة، وإذا لم تكن الكاميرا متوفرة كان أحدهم يستعير كاميرا صديقه أو جاره لعدة ساعات أو أيام، وكانت محلات التصوير وتظهير الصور تحظى بعدد كبير من الزبائن، وبعد أن تغدو الصورة مطبوعة على ورق مقوى بقياس متفق عليه كانت تنال مزيدا من الرعاية والخصوصية!
اليوم اختفت إلى حدٍّ ما الصور المطبوعة، وبالمقابل تحولت الصورة الرقمية إلى لغة عالمية نحتاجها على مدار الساعة، ويستعين الإعلام بتلك الصور للتأثير في الرأي العام وتوجيه خطابات في غاية الأهمية والخطورة عبر صورة فقط!
إن العبارة المشهورة: “صورة واحدة تغني عن ألف كلمة” غدت شعارا جديدا للإعلام المؤثر الذي يخاطب الواقع بصورة دقيقة مليئة بتفاصيل حقيقية واضحة.
صور كثيرة كان لها تأثير قوي على مسارات متعددة من حياة الثورة السورية، مثلا مسار اللاجئين السوريين تغير تحت تأثير (صورة إيلان) الطفل البريء الذي رمته الأمواج على شاطئ البحر وهو منكب على وجهه كأنه ملاك نائم!
بعد نشر الصورة المؤثرة استنكر العالم حينها المعاناة والألم وقسوة ظروف اللاجئين السوريين وهم يعبرون البحار وقد غرق كثير منهم وضاعوا في قلب البحر!! فتحت الحدود البرية بين الدول الأوروبية ودخل الآلاف بسلام إلى أوروبا.
هناك صور هزت العالم وما تزال تفعل، كان آخرها صورة الطفلة النائمة في حقيبة السفر وهي تغادر الغوطة الشرقية وقد اشتهرت الصورة باسم (طفلة الحقيبة)!! لكن ماذا عن أولئك الذين لا يكفون عن نشر صورهم وهم يأكلون في المطاعم ويمرحون في الشوارع ويقبلون أطفالهم وقبل النوم يقولون لنا تصبحون على خير، وعند الصباح يبتسمون مع باقة ورد؟! صور تغص بها وسائل التواصل الاجتماعي لا معنى لها، وليست سوى مضيعة للوقت، وقد تكون جارحة للبعض، فكيف ينظر من صار وطنه خيمة وحفنة تراب وهو يرى صور من يقفون أمام صرح من صروح وطنهم؟! ألا يشبه شعوره مشاعر أب أو أم حرموا من الأولاد لكن شرفة بيتهم تطل مباشرة على حديقة للأطفال؟!
في عالم الصورة فيض من مشاعر، أعلاها وأغلاها الإحساس بالآخر، فاختاروا ما تنشرون دون أن تجرحوا من تحبون.