رؤى الزين
ماذا عن الدراسة الجامعية للفتيات في ظلّ الأزمة السورية؟ كيف يمكن لفتاة أن تنهض في وجه الحروب؟ وهل هناك حاجة ملحة لدراسة الفتاة في زمن كثرت فيه الفتن والقتل؟
أسئلة تترد في ذهن الطلبات اللواتي دفعنَ الثمن غاليا لأجل دراستهنَّ بعد أن وصلنَ إلى نهاية طريقهنَّ.
تعيش طالبات الجامعات السورية حالة متشابهة من الخوف والتوتر المستمر، ففي نهاية الأمر الطالبة جزء من ذلك المجتمع وتنتمي إليه، وقد أثرت الأحداث المؤلمة التي تمرُّ بها سورية على مستقبل الطلبة في كلِّ نواحي الحياة (النفسية، والجسدية، والعقلية، والاجتماعية) هذه التأثيرات كان لها قصص شهدها المجتمع السورية.
(مرام 24 عاما) من مدينة أريحا بريف إدلب الجنوبي سنة ثانية طب بشري بجامعة حلب، تبدأ قصتها بكلمات تعبر عن إرادتها القوية رغم كلِّ الظروف، فهي تسعى إلى أن تكون يوما ما طبيبة تعالج تلك الطفلة التي تبكي في حضن أمها العاجزة عن معالجتها بدون طبيب، تقول: “كان حلم حياتي وصولي إلى آخر لحظة بالجامعة، وحملي شهادتي بيدي، وفتح عيادتي التي عليها لافتة حاملة اسمي، لأعالج فيها كلَّ طفل يتوجع “
تتابع مرام قائلة: “في بداية الأزمة السورية أصريت على المقاومة رغم كلّ الضغوطات حولي، غير أنَّ الأوضاع زادت أكثر فأكثر، لأبقى آخر المطاف بلا دراسة، أجلس في البيت مكتوفة الأيدي، بعد ثلاث سنوات عدت لأكمل دراستي بجامعة إدلب الحرة، لا أنكر معاناتي في الحفظ والذاكرة خاصة أنني هجرت الدراسة فترة طويلة، لكن عزيمتي تزداد كلَّ لحظة، لتمضي السنوات الباقية بأسرع وقت، وأصل إلى طموح طال انتظاره “
لم تنتهِ معاناة الطلبات عند تركهنَّ الدراسة وصعوبة العودة إليها بعد مرور فترة زمنية، فلقصة (ربا) معنى آخر من الألم والعذاب.
(ريا 23 عاما) من مدينة إدلب تحكي قصتها بدموع تتكلم عن حرقة قلبها ومرارة العيش مع قدميها اللتان بُترتا جراء الحرب الدائرة، تقول: “رغم أنني من عائلة فقيرة، إلا أنَّ أبي كان مصرا على أن أدخل الجامعة، في أول فصل دراسي بدأت الاشتباكات، وأنا في طريقي إلى البيت سقطت قذيفة بالقرب مني، بعد مضي أيام وأنا بالمشفى فتحت عيناي لأنهض، وكانت الفاجعة بأنَّ رجلي من الركبة قد بُترت، لم أصدق تلك الصاعقة، فما كان مني إلا أن أعتاد على حياة جديدة أبدؤها وأنا على كرسي المعاقين”
لم ترحم الحرب صغيرا ولا كبيرا، ولم تكتفِ بالدمار النفسي، فقد كان لموت بعض الطلبة حصة من هذه الحروب.
(أم خولة 47 عاما) من ريف إدلب تحكي قصة ابنتها التي فقدتها وهي في الثامنة عشر من عمرها لتكون شهيدة أثناء عودتها من جامعتها، تقول: ” كانت سنة أولى هندسة معلوماتية بجامعة حلب بعد أن أنهت امتحانها في الفصل الأول، حكت معي وقالت: سآتيك اليوم ولو تأخرت رحلتي لآخر الليل، لقد اشتقت إليك ومضى شهران لم أركِ، عنما تأخرت كثيرا اتصلت بها فقالت لي: يوجد اشتباكات في الطريق، وهنا بدأ قلبي يتسارع بدقاته خوفا عليها، وبعد نصف ساعة اتصلت بي صديقتها وقالت لي: قتلوا عبير يا خالة، الرصاصة برقبتها وهي بحضني شهيدة، لقد استشهدت ابنتي برصاصة طائشة وحرموني منها، لقد أحرقت قلبي طوال عمري”
غير أنَّ الحرمان من الدراسة وآثار الاعتقالات باتت ظاهرة من بداية الأزمة في سورية.
(حلا) من كلية الآداب بجامعة حلب تحكي قصتها ومعاناتها وهي بين أيدي شبيحة النظام..
تقول: “خرجت من محاضرتي، فوجدت عناصر الشبيحة منتشرين في الجامعة والاعتقالات لا ترحم فتاة ولا شابا، حاولت الهرب إلا أن يد العسكري أمسكت بي، جرني بيديه وكانَّه وحش مفترس عثر على فريسة يخشى ضياعها، لأمضي في سجونهم ستة أشهر تحت التعذيب بتهمة ناشطة إعلامية، كلُّ يوم ياتي الجلاد ليجلد جسدي حتى تسيل منه الدماء، خرجت من سجنهم فتاة مذلولة ومريضة وشبه معاقة، حتى الآن أنتظر يوما انتقم فيه من تلك الأيدي المجرمة لأحرر قلبي من نار حقد لو اندلعت لأحرقت الكون كله”
ويبقى السؤال: هل ستبقى الحرب تقتل وتدمر قلوب البشر في سورية؟ وهل سيعود الأمل إلى تلك الأجساد المعاقة؟ كل يوم تخرج رهف على كرسيها، تدفع عجلتيه بيديها الناعمتين لتصل جامعتها، مع أمل يرافق طريقها بأنَّ حقها سيؤخذ عاجلا أم آجلا، تنتظر بعيونها الدامعة لتجدد بسمة الأمل، وترفع راية التفاؤل فوق جروحها المعتقة.