قتل أحلام طفولتهم وسرق بسماتهم، إنه شبح الحرب في المناطق السورية المحررة…
لين فتاة في الخامسة عشر من العمر، تعالت أناتها التي حولتها إلى رماد محترق،“أعيدوا إلي طفولتي ووجعي حين أسقط، ودفاتري المبعثرة على رصيف الأحلام” هذا ما نادت به بعد قصف الطيران لمدرستها واستشهاد صديقتها أمام عينيها، لبست لين ثوب الحداد، واحتل السواد ذاكرتها، فدخلت في حالة اكتئاب حاد وعزلة نتيجة الصدمة والألم لما رأته عيناها من مشاهد القتل والدمار في مدينتها.
وفي ذات يوم دون سابق إنذار استيقظت لين وقد أصابتها أعراض تشبه الجنون، وفقدت ذاكرتها بشكل كامل، وهنا كانت الصدمة الكبرى لوالديها، فهرعوا مسرعين لعلاجها بكل الطرق ولكن دون جدوى.
لين قصة حقيقية وليست من نسج الخيال، إنها أختي الصغيرة، كانت أمي تصلي بدموع خاشعة داعية لها بالشفاء، ومرضها كان نفسيا وليس عضويا، كان سريعا وهي بحاجة إلى طبيب للأمراض النفسية، وبعد عناء كبير وجد الأهل طبيبا للأمراض النفسية، وعند تشخيص الحالة كانت الصاعقة الأكبر، لقد أصابها مرض خطير يدعى (متلازمة ما بعد الصدمةptsd) أو ما بعد الحرب.
للأسف كان العلاج متأخرا والمرض في مراحل متقدمة، ولم تجد الأدوية نفعا فماتت بعد 17 يوم من ظهور أعراض المرض، طبعا كان موتها مؤلما لوالديها فقد خطفها الموت بسرعة البرق.
لا بد هنا، أعزائي، من تسليط الضوء على هذا المرض الخطير، إنه مرض خفي كالسحر اجتاح مجتمعنا وله نسب متفاوتة، يصيب الكبار والصغار في بيئة الكارثة.
لقد انتشر مرض متلازمة ما بعد الصدمة بشكل واسع بعد حرب العراق 2003 وفي حرب البوسنة وضحايا الفظائع النازية وجنوب إفريقيا وفي فلسطين المحتلة وعند اللاجئين السوريين في لبنان مؤخرا.
ولا بد من البحث في الأسباب وطرق العلاج قبل استفحاله في الشخص ووصوله لمراحل متقدمة، وله أعراض أولية وأخرى متقدمة، وفي الحالات المتقدمة يحتاج الإنسان إلى أدوية الاكتئاب بشكل مستمر، ومن أعراضه: العزلة، الخوف الزائد، الرغبة الصامتة في الانتحار، السلوك الشرس العدواني، الاكتئاب الذي يؤدي إلى الهستريا.
من أهم أسبابه الحرب، إذ إن الشخص المقيم في بيئة الحرب قد يتعرض لحادث صدمي مؤذي نفسيا فيصاب به، ومن أسبابه أيضا الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين وحوادث العنف.
ولابد هنا من الدعم النفسي في تلك المناطق، ودمج الأطفال بشكل خاص في المدارس مع تعزيز الأنشطة الإبداعية لديهم.
نحن بحاجة إلى الرعاية الإلهية والأيادي الخضراء التي تنتشلنا من المخاوف في الحرب، تلك الحرب المؤلمة تحطم أجيالنا وتسرق منهم أجمل أيام العمر.
ليحل عليك السلام يا وطن السلام ..