محمد فخري جلبي – النرويج
عندما تدخلُ عالم أحلامك فلا تتعجل الرحيل، ودع الواقع بقامته السوداء مرمياً خلفك يلفظ أيامه الأخيرة منك، ولا تلتفت إلى الجلبة والضوضاء وراءك، وأرسل خطواتك مع خطوات الريح، تستقر أينما ترغب، وفك ارتباطك بأي شيء يجذبك إلى حياتك الأساسية، فيحدث أن تكون تلك هي آخر رحلة لك في أرض الأحلام، فبما أنَّنا عرب محكوم علينا، بالسجن والتشتت والضياع، فثمَّة تذكرة وحيدة لنا في عالم الأحلام …
فاستمتع ما استطعت، وإن حالفك الحظ هناك والتقيت بابنة آلهة الأحلام، فحاول أن تسرق قلبها بكل ما أوتيت من دماثة خلق ومن مشاعر جياشة مرهفة، ليهجرها النوم، وتمتنع عن الطعام، ليضطر والدها أخيرا إلى أن يحضرك من أرض الواقع إلى مملكة الأحلام حتى نهاية حياتك.
كما يقول أرسطو: “لكل شيء في عالمنا الحقيقي شبيه موازٍ في عوالم أخرى.”
فاحفظ قليلا من الأغاني، قليلا من الشعر، واحفظ أسماء الأزهار جميعها، والطيور جميعها، لأنَّك ستراها هناك حرة طليقة بلا واجهات زجاجية تجلس خلفها، وبلا قصور عالية تحبس بداخلها … فهي لك كما أنت لها.
وفي عالم الأحلام لا يوجد “بوليس” أو أمن دولة، ولا تحتاج إلى حمل قطعة بلاستيكة تافهة تعرف عنك وتقرر مصيرك في عواصم الطائفية الممتدة من الوطن إلى الوطن، وتستطيع هناك فعل ما شئت ومتى شئت، وبعد عدة ساعات فقط من وجودك هناك تدرك بأنَّك لم تكن قبل شيئا، ويحدث بأنَّك لم تكن سوى عابر حزن في مدن الأحزان، وبائع دمع في مهرجان الدموع، ووكيل كآبة في بورصة الكآبات العربية، هناك فقط يتجلى الكون أمامك أنثى عشرينية العينان هُيِّأت لك وهُيِّئت لأجلها.