مضر الخطيب
كثيرٌ منَّا يكتب وينقد ويحاول الإصلاح، لكن هل هناك جدوى ممَّا يكتب؟!
أغلب الذين يدَّعون الإصلاح والكتابة في المجال الإصلاحي أو التوعوي هم فاشلون حقيقة في أغلب الأحيان، لكن لماذا؟ لأنَّ أقلامهم مقيدة، وهناك حدود لها، ليست حرة مطلقة لمنطق العقل والحقيقة، أغلب الأقلام تراها تنحاز إلى فصائلية مقيتة، أو حزبية عفنة لا جدوى منها، لأنَّها ترى الحقيقة بمنطق أعور يرى محاسن طرفه ويعمى عن محاسن الطرف الأخر، وإذا أراد أن يلتفت إلى تعرية العيوب وتوصيفها ينظر إليها بعينه العمياء ولا يراها، فيكون مبدأ الإصلاح عنده شبه معدوم، وما يلبث إلا قليلاً ليتحول إلى انعزالية عجيبة، ويتقوقع على نفسه ليصير مركبه نحو الغرق، فيدخل في جدالات بيزنطية لا طائل منها في وقت أحوج ما يكون فيه إلى الإصلاح و تدارك مصائبه، فيزاد الانحدار انحداراً، و الانحراف انحرافاً وتصعب المهمة الإصلاحية لتقارب المستحيل.
وترى أقلاما أخرى تكتب ضمن دوائر ضيقة لا تستطيع الخروج منها، فتراها تدور وتدور في تلك الدوائر حتى يملَّ الناس منها، لأنَّها باتت بالية روتينية، فترى كبار المفكرين والعلماء عندما تكون العامة والشعوب بأمس الحاجة لهم يكتبون عن أذكار الصباح والمساء، وعن قصص بعيدة كلّ البعد عن مشاكل وهموم الناس، في الوقت الذي ينتظر الناس منهم أن ينيروا لهم الطريق بكلمات و توجيهات تمنعهم من السقوط وتعينهم على النهوض، فيصدم الناس فيما يتلقون منهم ويفقدون الثقة بالموجهين والمرشدين، فتراهم يتلاطمون بين الموارد، فإمَّا تراهم قد فرَّطوا بثوابتهم أو غلّوا بها، فتضيع البوصلة التي سيهتدي بها الأجيال من بعدهم.
فعبثاً ما نكتب أو نفعل إن كانت القيود ستجلسنا سجناء الخوف،
وعبثاً ما نكتب إن كانت الحزبية والتحيز ما يحكم عقولنا وأفكارنا وكتابتنا.
من أراد النصح فلينصح، ومن أراد النهوض بالأمة فلينهض، ومن أراد التوجيه فليوجه،
لكن حذارِ أن يكون أعوراً او منحازاً او متحزباً، والويل ثمَّ الويل لمن يعتمَّد مبدأ الإقصاء،
لأنَّه حينها يكون ذلك القلم الخائن الذي يقتل أمة وينتج بدل جيل النهضة والتمكين جيلاً من الجهلة والمساكين
فحذارِ من عبثية الكتابة وخيانة آمال الشعوب المتعلقة بك أيُّها المثقف والمرشد والداعية والحكيم.