منذ فترة قريبة صادف أن قرأت كتاباً يتحدث عن الأدوات الفعالة للإدارة أو القيادة، وسبق أن سمعت هذه العبارة في الكثير من الفيديوهات القصيرة التي يتحدث فيها رواد الأعمال (عبودية الوظيفة)
لا بد من أجل الإبداع أن يخرج المرء من هذه العبودية وينعتق ليؤسس عمله الخاص، ولا بأس قيمياً من التناقض المباشر الذي سيقع فيه فور انعتاقه، وهو استعباد آخرين وظيفياً من أجل تأسيس كيانه الذي ينتمي إليه فقط.
لا إبداع ولا ثروة ولا ابتكار ولا خروج عن المألوف ما دمت موظفاً، برج عاجي يتكلم منه هؤلاء ليضعوا أنفسهم فوق ملايين البشر (المستعبدين) على هامش الحياة دون أي احترام لخياراتهم أثناء إطلاق هذا التوصيف أو احترام لدورة الحياة الطبيعية حينما ينتقصون من أحد مراحلها المهمة جداً، ويجعلون الموظفين هم الخانعين أبناء الطبقة المتوسطة الذين يتجنبون الصراعات وليس لديهم القدرة على مواجهة المتاعب التي يتصدى لها الفرسان الطموحون القادة، ويصفونها بهذا الوصف الذي يحول العالم تدريجياً لمكان مزدحم بالقادة والمديرِين، وفقير بالعاملين والموظفين الذين يخجلون من كياناتهم الدونية باعتبارهم موظفين. … يالَلبؤس.
من وجهة نظر أخرى تعتبر الوظيفة هي المكان الذي يضمن الاستقرار في العالم، ويقلل من الصراعات والحروب التي تتجه إليها الكيانات المستقلة التي تطمح لصناعة أمجادها الخاصة، كما أنها المكان الأفضل الذي يستطيع قتل الفردانية المقيتة والتركيز على التضامن والعمل الجماعي والنجاح للأمة والدولة والمجموعة بعيداً عن الفرد وفضاءات الأمجاد الفارغة التي لا تضيف للعالم الكثير.
أعتقد أن العبودية الحقيقية هي في تناول الأفكار المعلبة التي لا تستطيع أن ترى بوضوح جميع الجوانب الإيجابية أو السلبية في كل مكان، وتنتقل للحديث عن تجربة شخصية وتعممها، كأنها انعتاق وحرية، إنها في هذا السير المحموم نحو موضة الأعمال وريادتها، وبروظة ربطات العنق، والأوصاف ذات البريق الإداري التي تجعلك دائماً فوق الآخرين.
لا يمكن النظر إلى العمل الحر بصيغة إيجابية دائماً، لأنه لو كانت هذه النصيحة التي تدعو إلى التحرر من الوظيفية صحيحة وقابلة للتحقق كانت ستلغي وجود أي أعمال على هذه الأرض وسينتقل الكثير من الناس إلى التنظير الأجوف حول القيادة دون وجود من يعمل.
أعتقد أن مفهوم الوظيفة والعمل ضمن شركة أو منظمة هو من المفاهيم الراقية جداً، والمهمة في حياة الفرد، وهي أكثر ما يصقله في الحياة ويجعله أقوى عندما يتعلم المواجهة الجماعية لا الفردية، كما يجعله أكثر إخلاصاً عندما يكون الإنجاز الجماعي من أجل اسم الشركة أو البلد أهم بكثير من الحافز الشخصي.
إن التحرر من الأهواء الفردية والنزعة للشخصانية والشهرة والتعلق بالنجاح وتقديم الفائدة للآخرين هو عين الحرية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي