محمد الزير
في قريةٍ بعيدة اختار الموت أن يزورها ذات ظهيره. خرج سربٌ محملٌ بالحقد ليجتاح سماء قريتنا البعيدة، جالباً معه عشرات البراميل المتفجرة التي نفى قاتلنا وجودها ولم يتعرَّف عليها حين سألوه ذات مره، واختار القدر أن يستقر البرميل في حينا وقرابة منزلنا الصغير، ليأخذ مني قدماي.
حين سمعت صفراته شعرت أنَّه يقترب مني لأحبس أنفاسي للحظات ويغيب عن ناظري ضوء الشمس لأستيقظ وأجد نفسي مرمياً على الأرض، حاولت النهوض- لم أيأس- حاولت الصراخ فلم أستطع، فقد غطى غبار منزلنا فمي ومنع حنجرتي من التنفس حتى، إلى أن لمحت عيناي أبي يمرُّ من جانبي يتركني ملقاً لم ينجدني.
صرخت بكل حواسي ملء جوارحها. بكل ما أُتيت من قوه “أبتي احملني .. لا تتركني هنا”…
ليقترب مني ويحملني وفي عينيه دمعاتٌ ما عهدتها وما رأيتها طوال عشر سنين، وبين ذراعيه الدافئتين أغمضت عيناي وغفوت مطمئناً بأنَّه سينجدني، فهو أبتي ورجُلي الذي طالما حاربت به كلَّ شر ٍ كان يحدق بي.
حال عبد الباسط كحال آلاف الأطفال، فمنهم من فقد ساقه، ومنهم من فقد أخته وأخاه، ومنهم من فقد يده أو ربَّما كلتا يديه.
هم وحدهم من سيجالسهم عبد الباسط ليكمل ما تبقى من عمره بعد أن اجتثَّ الظلام ماضيه المليء باللعب واللهو والمرح.