علي سندة |
بعد حَمل طويل استمر قرابة العامين، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش ولادة اللجنة الدستورية يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر بعد مخاض عسير تعاقب عليه بالإشراف مندوبان للأمم المتحدة (ديمستورا ومن بعده بيدرسون) ومن المتوقع، بحسب غوتيريش، أن تبدأ اللجنة عملها خلال الأسابيع القادمة من جنيف.
وكالعادة تباينت مواقف المعارضة من سياسيين وثوار وعسكريين فيما يخص اللجنة الدستورية الوليدة، فالمشهد بالنسبة إلى الثوار قُرِئ من منظور يوتوبيا ثورية تحلم بتحقيق أعلى سقف من المطالب، وهذا ما يتمناه كل حر وثائر غيور على سورية، لكن تلك اليوتوبيا لم تتغير إلى قراءة الواقع وفق الممكنات بعد كل ما حدث للمناطق المحررة وسيناريو التهجير المُنظم منذ سنوات وبقاء جيوب بيد المعارضة مانزال نُقاتَل عليها باسم الإرهاب، بل مايزالون يفكرون بتحقيق كل شيء كأننا موحدون في تشكيلاتنا كلها وفي قرارنا الداخلي والخارجي ونملك أوراق الضغط الكثيرة والخطط البديلة عن تلك اللجنة الملعونة بنظرهم.
ذلك الموقف الثوري لا يختلف عمَّا أظهره بعض العسكريين في الداخل الذين أبدوا رفضهم القاطع للجنة الدستورية، وربما هذا يصح لو كانوا يستطيعون فتح الجبهات أنى أرادوا وخططوا، يصح لو كانوا ويعملون صفًا واحدًا مع الجناح السياسي للمعارضة السورية التي من المفترض أن تكون موحدة أيضًا، ويمارسون الضغط على الأرض بأزيز الرصاص لتحقيق مكاسب الحرية على طاولات المفاوضات وتثبيتها دوليًا.
وأما حال السياسيين فقد انقسموا إلى قسمين: الأول سلك طريق اليوتوبيا الثورية أيضًا ورفض اللجنة الدستورية بمفاهيم سياسية وقانونية معهم الحق بها، والآخر هم اللجنة العليا للانتخابات التي رأت في اللجنة بوابة الحل السياسي في سورية، بل رأت، بحسب ظنها، أنها أولى خطوات تحقيق القرار الأممي 2254 كأنها أمنت مكر النظام وروسيا.
والسؤال بعد كل تلك المواقف العاطفية والعقلية: هل استطاعت كل أطراف المعارضة بمواقفها المختلفة، سواء من اللجنة الدستورية حاليًا أم غيرها من الأحداث السابقة، إيقاف مجزرة ما أو إيقاف سلسلة التهجير الممنهجة أو حتى المحافظة على المكتساب وتثبيتها دوليًّا؟! بل ماذا بقي من الثورة بعد كل ما جرى ويجري واستخدام روسيا لأكثر من عشر مرات حق الفيتو لإيقاف أي قرار يتعارض مع مصالحها في سورية؟! ألسنا غرقى التفاصيل كما قال سابقًا وزير خارجية النظام وليد المعلم: “سنغرقهم بالتفاصيل.”؟!
إن اللجنة الدستورية المؤلفة 150 عضوًا، 50 من المعارضة و50 من النظام و50 من الأمم المتحدة يرتضيهم النظام والمعارضة تدل على تساوي المعركة الدستورية وخوضها مع تأكيد قيم الثورة وثوابتها وعدم التفريط بدماء الشهداء، وإن الحكم عليها سلفًا بالفشل بغض النظر عن كل أسباب الرفض المنطقية من شرعية اللجنة وشخصياتها ورعايتها.. والاستمرار برفع السقف وسط عدم امتلاك الأدوات لهو هروب من معركة تعدُّ الأفضل في التكافؤ بالنسبة إلى المعارضة؛ خاصة أن رئاسة اللجنة مشتركة بين المعارضة والنظام بحسب ما قالت روسيا.
اللجنة الدستورية ليست المُخلِّص بالنسبة إلى السوريين، ورفضها ليس أمرًا خاطئًا، بل هي ساحة نزال تحمل فرصًا مهمة ويتوجب الإعداد لها على أعلى المستويات لتفويت الفرصة على روسيا عبر استفرادها بالحل السياسي وكسب الدول المؤيدة للجنة إلى صفها، والدستور جزء من مشكلتنا مع النظام وليس كل المشكلة، وهو الجزء المؤسس لحياة الحرية المنشودة، وساحات المواجهة كثيرة لا يلغي بعضها بعضًا إلا عندما نقرر نحن ذلك.
ربما تكون اللجنة مضيعة للوقت لا أكثر لِما يُعرف عن النظام من المكر والخديعة وتمرير الوقت سياسيًا واستغلاله عسكريًا، خاصة أن المُعلم صرَّح عقب إعلان اللجنة الدستورية قائلاً: ” قبولنا باللجنة الدستورية لا يعني توقف العمليات العسكرية.” فماذا أعددنا نحن على الصعيدين السياسي والعسكري في المواجهة القادمة؟!