هي الحرب من حولت حجارة حلب البيض إلى فتات يتناثر مع الهواء في كل آن و لحظة.
لم يبق من حلب إلا صمود أهلها و شموخ قلعتها لتحافظ بهما على حضارة احتضنتها لآلاف السنين صمود يقف في وجه العالم أجمع دون أن ينكسر للحظة وشموخ اعتاد عليه الحلبيون منذ نعومة أظفارهم
فهذا عمران بعد أن أغارت الطائرات على منزله يخرج من تحت الركام كجلمود اعتاد القتال وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره ليمسك به رجل الإسعاف و يسرع إلى عربته لكنه لم يكن يعلم بأن عمران يمتلك كل هذا الجلد و القوة لينظر للمصورين نظرة استطاعت أن تلخص كل آلام حلب من قتل و تشريد و دمار متحديا العالم المنافق الذي يدعي حمايته.
فيشعر عمران بشيء يسيل على وجهه المغطى بالغبار فيمسحه بيده ليرى انسياب دمائه على وجهه المكتئب فيرفض مجددا النطق أو الصراخ ليزيد من تحديه لكل من يريد قتل طفولته
حتى الخوف لم يجد طريقا للوصول إليه و وقف مرتعدا أمام شجاعته و يرفع عمران رأسه ثانية ليبدي جاهزيته للمصورين لالتقاط المزيد من الصور علها تكون أكثر إيلاما وهو يمسح دمائه في كرسيه
مرهق أنت يا عمران من كثرة الدروس التي أعطيتنا إياها وجعلت من صمتك الفاضح صرخة في وجه تخاذل العالم أبكت كل ما فينا…
إن نظرات العتب من عينيك المجهدة التي مزقت ما بقي لدينا من كرامة أصبحت أيقونة ثورية جديدة أنت يا عمران جسدت لنا فيها معاناة أطفال سورية جميعا
كثر هم الذين يشبهونك و أكثر بكثير من فارق الحياة دون أن يري العالم مدى قوته و إرادته في وجه آلة القتل الروسية و الأسدية التي أنهت الطفولة في وطني و لم تبق لهم مكان آمن يلعبون فيه أو مدرسة تبنيهم أو مرح يسليهم
فساحاتهم الوغى و بيوتهم و مدارسهم أهداف مشروعة في وجه الطغيان و مستقبلهم مقتول بين أزيز الرصاص و ضجيج المدافع التي تُخرج لنا بعمرانٍ جديد كل يوم من تحت الركام.