يتحدث شباب اليوم كثيرًا عن النجاح والتفوق، ويتحدثون أحيانًا عن التغيير والتقدم والنهضة، ويعبِّرون عن كل هذه المفردات كمرادفات لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم التي يبذلون حياتهم من أجلها، ويسعون لبناء وطنهم من خلالها.
على أبواب عام جامعي جديد، بعد صدور نتائج الثانوية العامة بالأمس، والتي شهدت نسبًا عالية من التفوق، لابدّ لنا من وقفة بسيطة أمام هذه المعاني المتداخلة.
لا شك أن النجاح أمر ضروري، والنجاح بتفوق هو الأفضل، وهي قيم غير مستغنى عنها من أجل التقدم للأمام، وصناعة النهضة وتحقيق التغيير، لكن لابدّ هنا من ملاحظاتٍ ثلاث على درجة كبيرة من الأهمية:
الأولى تتمثل في أن النجاح هو خطوة وليس كل شيء، هو النتيجة التي تعطي تقدمًا فرديًا، يزيد من خبرات الإنسان ومهاراته، ولكن لا يمكن أن تمنح الإنسان قدرة على التقدم إذا بقيت في إطارها الفردي على الإطلاق، ولو كان الناجحون قادرون على تحقيق النهضة والتغيير لما كان هذا حالنا، فعدد الناجحين الذين ينتمون لمجتمعنا كبير جدًا، لكنهم متفرقون منتشرون في أصقاع الأرض.
إذًا لا بدّ من عمل جماعي يكون الناجحون هم المحرك الرئيس فيه، الذي يدفع العجلات للتقدم للأمام، وبدون هذا العمل الجماعي سيبقى النجاح مجرد ألق نعايشه ولا نشعر بنتائجه، وبالتالي النجاح الحقيقي هو نجاح المجموع، وليس نجاح الفرد، ويبقى الفرد فاشلاً ما لم يستطع التأثير بمحيطه وتحقيق التغيير به عبر عمل جماعي.
الملاحظة الثانية: تكمن في أن للنجاح بريق خاص يجعلنا نفرح بمنجزاتنا، لكنه يعمي أبصارنا عن رؤية الواقع من حولنا، هذا البريق مفيد من حيث إنه يشحذ الهمم، ويبعث الحماس، ولكن علينا أن نستوعبه دون اندفاع يهمل التفكير والتأمل بالخطوات القادمة، فالكثير من النجاحات الجميلة قد لا يكون لها الأولوية في حياتنا، وقد تكون هناك مهام صعبة تحتاج أن نعرّج تجاهها بصبر ومثابرة، هي ما يجب أن نحقق فيها نجاحاتنا المؤثرة التي تستطيع تدوير عجلة التغيير الذي نسعر إليه.
والملاحظة الثالثة: تكمن في أنّ التغيير هو سببٌ للتقدم، ونتيجةٌ له، فلن نحقق التقدم مالم نبدأ بالتغيير، وأهم ما يجب أن يتغيّر هو أنماط تفكيرنا، وطريقة نظرنا للعالم من حولنا، وطريقة فهمنا للنجاح الذي نريده، وتوظيفه بالشكل الأمثل لنحدث التأثير والتغيير حولنا مرة أخرى.
أخيرًا .. آمل التوفيق للجميع في أهدافهم، ولكن هذه البلاد مسؤوليتنا جميعًا، ولا بدّ أن نتكاتف لكي ننهض بها إلى حيث يليق بنجاحاتنا وتضحياتنا وأحلامنا.
المدير العام | أحمد وديع العبسي