نظرة إلى الماضي وأخرى إلى المستقبل، نظرة إلى كل ما يجري من حولك، إلى العالم الذي أصبح كوحش يسعى لالتهامك..
تبحث عن نفسك في وجوه الآخرين… الأحياء منهم والأموات، تبحث عن نفسك التي أضعتها في زحمة الحياة…
تقف حائراً مرتبكاً لا تفقه سبباً لكل ما يحصل، تبحث عن شخص كنته في السابق، تشتاق إليه..
تتساءل عمَّا قد حلَّ بك فأصبحت ذو أقنعة عدة، بدأت باحتراف التنكر فبتَّ تتقن لعب جميع الأدوار والشخصيات ما عدا شخصيتك الحقيقية، كأن حاجزاً ما يمنعك من أن تكون نفسك…
ترى نفسك ضائعاً تمضي في هذه الحياة.. وكأنك تحسب بأنك ستترك سدى..
تدور وتمحص وتسأل نفسك عن السبب الذي يودي بك وبكثير من أمثالك إلى هذا الحال من الضياع والحيرة وفقدان التركيز على المهمة والهدف الأسمى الذي ارتضاه ربكم لكم…
كأن أمراً ما تفتقده في زمانك هذا أودى بك وبأقرانك إلى ما أنت عليه من حال.. أو كأنك أضعت البوصلة التي كانت بمثابة النور في ظلمة الحياة، ربما لم تضعها بالفعل، بل تقصدت إخفاءها من أمام ناظريك، بوصلة تعرفها لكنك لم تتعمق فيها وتسبر أغوارها لتكون حقاً منهجاً قويماً تنتهجه في حياتك، أخبرك عنها خالقك الذي هو أعلم منك بحالك في كتابه الذي لا ريب فيه..
نبَّأك أنَّ الإنسان سيكون في خسر وتيه وحيرة دائمة إن ابتعد وسلك طريقاً مغايراً عن السنن التي رسمها الخالق لهذا الكون، وأنَّ الإنسان مهما علا وبلغ شأناً واجتهد بنفسه، ومهما كان على قدر من العلم والمعرفة، فإنَّه لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً…
أخبرك أيضاً في كتابه أنَّك لست أول من يصيبه اليأس والحزن ممَّا يدور في محيطه متبعاً إياه بتساؤل ملؤه الجزع والألم أن متى نصر الله؟! فهناك فئة مؤمنة بربها أصابها ما أصابك من قبل، لكنَّها لم تستكن أو تستسلم، فهي تدري غايتها ومراد ربها منها، وتدرك أنَّ نصر الله قريب، بإيمانها بخالقها وأنَّ هذه الحياة دار ابتلاء ليبلوهم ربهم أيهم أحسن عملاً، وأنَّه ليس للإنسان إلا ما سعى..
أوصاك ربك أن تتبع هذه الفئة المؤمنة، وأن تسير على نهجهم، فهم خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن خلَفهم خلفٌ أضاعوا وصايا نبيهم وتفرقوا وآثروا الحياة الدنيا على الآخرة، متناسين أنَّ الآخرة خير وأبقى…
دعك من فلسفات البعض التي توحي أنَّ الجيل الأول من الصحابة بوجود النبي معهم كانوا لا يخطئون ولا ييأسون، لا يحزنون ولا يجزعون، دعك من تهافتهم وادعاءاتهم، فهم مثلنا أو نحن مثلهم، لا يهم… إنَّما المهم أن تدرس سيرتهم بمجملها، نجاحهم وفشلهم، إيمانهم وشكهم، عزيمتهم وإرادتهم، هدفهم وغاياتهم..
والأهم من كلِّ هذا وذاك أن تتقفى آثار المعلم الذي تربوا في مدرسته.. كيف جعل كلَّ رجل من هذا الجيل بألف رجل، ابحث في سيرته العطرة عن الأمر الذي علمهم إياه، فأعاد كلاً منهم إلى رشده، وعرفهم بدورهم وموقعهم في هذه الحياة، بعيداً عن تقمص وانتحال شخصيات وأدوار الآخرين…
تعلم منه ما يعيد إليك نفسك التي فقدتها، وبتَّ تبحث عنها في الآخرين، في حين إنَّها أقرب إليك ممَّا تتصور…
تعمق في تفاصيل حياته، وستلاحظ تكرار الزمن لنفسه، فما حصل في ذاك الزمان ليس عنَّا ببعيد…
وحسبنا كتاب الله دليلاً في هذه الحياة، وحسبنا أيضاً سيرة رسوله الكريم أسوة منيرة في ظل العتمة التي تأسرنا من حين إلى حين…