عبد الملك قرة محمد |
قبل أن تزداد موجة الاعتقالات التي أدَّت إلى تهجير عدد كبير من الشبان السوريين وابتعادهم عن الوسط التعليمي، كانت المدارس الثانوية تعجُّ بالشباب الحالم بمقعد جامعي ولو كان في أبعد نقطة في سورية، فالجامعة ليست مكانًا يسهل الجلوس فيه، ولا يدخلها من كان في قلبه ذرة استهتار أو تقصير.
والآن في المناطق المحررة يزداد تدريجيًّا إيمان الناس بدور التعليم بعد ابتعاد كثيرين عنه نتيجة الأوضاع الأمنية واستهداف النظام للمؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات التي عوضت الطالب السوري دون أدنى شك عن جامعته التي أُبعد عنها في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
بعد امتحانات هذا العام، وبما أنني طالب في جامعة حلب، سألني شاب متحمس، لا يخلو وجهه من علامات الفرح بالنجاح، عن الدرجات المطلوبة للتسجيل في كليات الآداب بأقسامها اللغوية، فهو يرغب بالتسجيل في قسم اللغة الإنجليزية، لا تستغربوا من جمعي لكلمة كلية لأننا نتبع النظام الأوربي، ففي المناطق المحررة يتفوق عدد الجامعات على عدد الطلاب ولا يجاري عدد الجامعات إلا عدد دكاكين “السمانة” فهي تعمل لذات الهدف (عفواً) لا أقصد هنا الهدف التجاري طبعًا لكن كليهما (الدكان والجامعة) يغذيان الإنسان أحدهما يغذي الجسد والآخر يغذي العقل!
تحمست كثيرًا للإجابة، لكنني صُدمت بأن مجموعه قليل جدًا أو “ناجح بمعجزة ربانية” ظننت أنني أنظر إلى ورقة إدارية صادرة عن وزارة التربية بالدرجات الأدنى للنجاح في الشهادة الثانوية (ربما يكون له ظروف خاصة لم تسمح له بالتحصيل أكثر)، أذكر حينها أنني قلت له ببعض المزاح: “يا رجل تريد دخول الجامعة بهذا المجموع؟! أنصحك أن تعيد البكالوريا لعلك تستطيع تحصيل علامات أفضل لكي تجد لنفسك مكانًا في الجامعة.”
بعد فترة علمت بأن صديقنا تم قبوله في قسم اللغة الإنجليزية تبعًا لنتائج مفاضلة الموازي في إحدى الجامعات المُفتتحة حديثًا في ريف إدلب، وعلى الفور بحثت عن المفاضلة الخاصة بتلك الجامعة، فصُدمت بأن قسم اللغة الإنجليزية وأقسام أخرى مهمة ومرغوبة لم يُطلب لها أي علامات بل افتتحت لجميع الطلاب، واكتفت الجامعة بعبارة “جميع المتقدمين”.!
قد يكون مهمًا ومقبولاً عند الجميع أن يتم قبول جميع المتقدمين في أقسام ضرورية، لكنها غير مرغوبة كالطب البيطري وبعض المعاهد المتوسطة وغيرها من الأقسام التي يحتاجها المجتمع والرغبة بها قليلة.
لكن كيف يمكن استيعاب فكرة قبول جميع المتقدمين في فروع متعددة ونمتلك فائضًا منها أصلاً إلا كمحاولة للكسب المادي أو للتمويه على عدم جذب الجامعة للطلاب الراغبين بإكمال دراستهم؟!
ربما لا نستغرب هذا الأمر إذا علمنا أن بعض الطلاب يلتحقون بالشهادة الثانوية قبل وقت قليل من الامتحان، والمنهاج الثانوي مختصر جدًا نتيجة حذف التربية لأبحاث كثيرة منه بحجة التخفيف عن طلاب الثانوية.
منهاج مخفف في الثانوية، وجامعات على قدر جيوب الطلاب لا عقولهم، ومفاضلات تتبع نظام المناقصة والمزاودة كأنها في سوق تجارية، وأحلام الطلاب النيام أصبحت حقيقة! بينما لا يستطيع الطلاب المُجدّون دخول الفرع الذي يرغبون به لعدم امتلاكهم المال الكافي، فأقساط الجامعات مرتفعة بالنسبة إلى العديد من العائلات في الداخل السوري سواء في القبول العام أو الموازي.
من ناحية أخرى هناك من يقول: إن هذه الجامعات وفرت فرصة للطلاب الذين لا تساعدهم الظروف لتحصيل أفضل في الثانوية ويضطرون للعمل وإعالة أسرهم.
لكن النتيجة هل العلم يؤخذ بالمال فقط؟! مهما كانت الظروف، وما مدى تأثير هذه الحالة على الطلاب الآخرين الذين يدرسون كثيرًا ثم يحرمون من الجامعة بسبب القسط المالي أو فارق درجات قليلة، وهم الذين تغلبوا على كل الظروف ليجتازوا الثانوية بعلامات جيدة!