غسان الجمعة |
أعقب اجتماع آستانة الأخير بين روسيا وتركيا وإيران، تحريكًا لملف شرق الفرات، هذه المرة بدأه الأسد بانسحاب من (عين عيسى) نحو العمق دون أي تبريرات واضحة بالتزامن مع تركيز تركي على مثلث اكتمال عقد المنطقة الآمنة (منبج، عين العرب، عين عيسى) حيث باتت المساحة المحصورة بين هذه المناطق الهدف المرتقب لأي تحرك تركي مستقبلاً، كونها ستربط مناطق النفوذ التركي ببعضها.
(عين العرب) التي يرغب الأسد ببقائها كما الروس ورقةَ ابتزاز وخنجرًا يقطع أوصال العمليات التي نفذها الجيش الحر بمساعدة الجيش التركي، باتت تشكل ورقة ضغط على من أرادها ثقلاً في وجه المعارضة والأتراك، حيث سلمتها (قسد) للمرتزقة الروس في اللحظات الأخيرة لمحاولة ربط مناطق غصن الزيتون ونبع السلام إحراجًا لتركيا أمام روسيا، وانتهت العمليات وقتها بتسيير دوريات وضمان انسحاب ميليشيا (قسد) من قبل الروس.
هذه المعادلة لم تعد بالنسبة إلى روسيا ذات فائدة على الطاولة السورية بعدما تعرضت له من إهانات ومضايقات في الجزيرة السورية من قبل الأمريكيين وبتماهٍ كامل من قبل عناصر (قسد)، حيث تحاصر القوات الأمريكية التحركات الروسية بين القرى والمدن، وغالبًا ما تعود الأرتال الروسية إلى قواعدها بخفي حنين، بينما تجثم الولايات المتحدة على آبار النفط والغاز، فلماذا تبقى كل من روسيا وإيران ومعهم الأسد درعًا لـ(قسد) في المناطق الفقيرة التي ترى فيها تركيا أهمية كبيرة بالنسبة إليها؟
حركة الانسحاب التي قام بها النظام السوري هي للضغط على (قسد) أيضًا؛ للتفكير جديًا بتسليم النظام مناطق في أرياف الرقة وحلب، غير أن هذه اللعبة لن تنتهي سلسلتها إلا عند الخطوط الحمر الأمريكية المتمثلة بحقول النفط، لذلك غالبًا ما تكون (قسد) هي الخاسرة فيها، فالراعي الأمريكي كل ما يهمه هو بقاء (قسد) ومن تحت أقدامها نفط.
من جانب آخر نفذت تركيا عملية استهداف لقيادات من الحزب الإرهابي جنوبي (عين العرب) دفعت (مظلوم عبدي) لتوجيه الشكاية إلى روسيا كونها الضامن في (عين العرب)، إلا أن متابعة جدية لم تحدث، بل ردت الولايات المتحدة على استعطاف (عبدي) للروس بضرورة طرد القيادات غير السورية من شرق الفرات، وكان أولهم (صبري أوك) الموضوع على النشرة الحمراء التركية الذي وصفه ناشطون بالقائد الفعلي لما يعرف (بالإدارة الذاتية) وهو الذي يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات في PKK .
التحرك التركي القادم قد يكون عقب انتهاء العمليات الجارية في شمال العراق التي تهدف لتحقيق عمق آمن على النموذج السوري، غير أن إكمال العمق في سورية ليس بهذه السهولة، فتعقيدات المصالح والمشهد السياسي في المنطقة وخلق التوازنات التي تجيدها (قسد) بين الأطراف يسهم بحماية موقفها السياسي ونفوذها العسكري، إلا أنه يثبت في الوقت نفسه إمكانية عرض التنظيم لمجرد إفلاسه في سوق النخاسة السياسية، فهل تنجح تركيا في غرز مخرزها في عين العرب؟!