يقدم القرآن الكريم مشهدًا من مشاهد الاختبار في غزوة الخندق ، تظهرُ فيه فئةٌ محاصِرة وأخرى محاصَرة ، الأولى بقيادة طواغيت العرب واليهود ، والثانية بقيادة النبي ، وها هو المشهد يتكرر على أرض الشام ، ولكنّ المفاجئ أنّ الممثلين العرب يتقاتلون على دور عبد الله بن أبي سلول طمعًا بالنجوميّة وبالجوائز الأوسكاريّة التي وعدت بها السيدة أمريكا .إنّه الصراع بين الحقّ والباطل ، بين الإيمان والكفر ، لتُمتَحَنَ الأمّة وتتمحّصَ الرّجال ويميز الله الخبيثَ من الطيّب ، فأحزاب الأمس التي تجمعت من أنحاء الجزيرة في غرفة عمليات الكونغرس قبل أنْ يكونَ الكونغرس ، وفي مجلس أمن القبائل المشركة المتحدة قبلَ أن يُوجدَ مجلس الأمن ، هي نفسها أحزاب اليوم ، غيرَ أنّ صناديدَ قريش القرن الواحد والعشرين يأكلون الكافيار ويركبون المرسيدس ، ورجالات غطفان يتزوجون الشقراوات من النّساء في منتجعات ميامي ، وصعاليك بني أسد يضعون النظارات السوداء وينتعلون أحذية من عند ( دولتشي آند غابانا ) .تخرج أمُّ لهب للمرة الألف ولكنْ بـ ( ستايلٍ ) جديد ، فهي اليوم تركب الطائرة وتلتقط الصّور وتقدّم للمسلمين في الشّام حزمةً من اللهب انتقامًا من الإرهابيين الذين قتلوا حبيبها .وها هم بنو النّضير يستقبلون رسولَ الله بالوجوه المبتسمة والأيادي الممتدة والكلمات الوردية الناعمة ، ثم يتفقون على الغدر به ، يمدون أيديهم إلى ثورة الشام ويغدقون عليها الأموال ويلبسونها خلاخيل الذهب قبل اغتصابها والنيل من عذريتها .وها هو نجمُ الصّحف والإذاعات والتلفزات ، حبيب الملايين ، ابن أبي سلول يُوقظُ فتنةً هنا ويسعّرُ نارًا هناك ، ويغري حُييّ بنَ أخطب لكي يشارك في الحلف الصليبيّ الذي يريدُ أنْ يُضعفَ شوكةَ الشّام ، ثم يتحولُ فجأةً إلى مدرّس جغرافية من الدرجة الثالثة يميّز الأرض السورية من غيرها ، ويصرّح أنَّ لقريش الحقَّ في الدفاع عن وجودها ودين آبائها وأجدادها !!وهذا عمرو بن ودّ العامري ، روبن هود العصر ، يقفُ قبل الحرب ليقصّ شريطَ الافتتاح ، ويحذّر من خطر التطرف ، وشبح الإرهاب ، فيصفّق له شيخه كيري ويرسل له أوباما قبلاته من بعيد ، فتجتمعُ كلمةُ الباطل على حصار المدينة ، وتجتمع كلمة المسلمين على لا إله إلا الله محمد رسول الله .الأحزاب هي الأحزاب ، المكائد هي المكائد ، الشرور هي الشرور ، تجمعت ثانية لتطفئ جذوةَ الجهاد ، وتحرقَ راية الإسلام ، وتسوقَ رجال المسلمين أسرى يمسحون زجاج السيارات عند إشارات الغرب ، وتجرَّ النساءَ من شعورهنّ سبايا يغسلن أقدام اليهود ويعملن ( بيبي ستر ) عند أولاد الشيوخ والملوك .أما مؤمنو اليوم فهم مؤمنو الأمس ، يخوضون المحن ويجاهدون في سبيل الله ، لم يرهبهم عددُ العدو أو عتادُه ، فتوافدوا على الثّغور يدفعون العدو بثغور مبتسمة تنتظر وعدَ الله ، يعملون في صفٍ واحد ، من أجل هدفٍ واحد ، تحت رايةٍ واحدة ، ويتساءلون في كلّ حين (( متى نصر الله )) فيبشّرهم ربّهم (( ألا إنَّ نصرَ اللهِ قريب ))لقد انتصر المؤمنون في غزوة الخندق من بعد جهدٍ وتعب ، وصبرٍ ومصابرة ، ذلك أنَّ النّصرَ مطلبٌ عظيم وهدفٌ كبير ، من أجله تهرقُ الدماء وتُبذل الأرواح وتقدم الأموال ، وإنّنا على ثقةٍ بأنّ غزوةَ الخندق الجديدة ستكون فاصلًا تاريخيًّا لينقلب الحصارُ على المحاصِرين ، (( والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يعلمون )) .