“الغوطة بين زيتوننا ستكبر ونجني ثمار ثورة سطرتم بها مجد الشرفاء” عبارة كتبها شبابٌ تجمعوا من كافة المنظمات والجمعيات استقبالًا لأهالي الغوطة عند الساعة وسط مدينة إدلب التي لم يبقَ مهجّر أو نازح من كل المحافظات والمدن السورية إلا وقدم إليها، آخرهم أهالي الغوطة أواخر الشهر الماضي.
أينما تجولت في شوارع مدينة إدلب وريفها تشاهد لوحات كُتب عليها عبارات ترحيب وأخرى كُتب عليها عبارات فحواها تقديم مواد مجانية لأهالي الغوطة، كالأغذية والألبسة والأحذية والخضار والفواكة، حتى الأمور الطبية كالتحليل والعيادات، كل ذلك مبادرات متنوعة بدأت منذ دخول أول قافلة للمهجرين قسرًا من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري.
تنوعت هذه المبادرات ما بين فردية وجماعية وبين علنية وسرية، ناهيك عن أن معظم المنظمات والجمعيات العاملة في أرياف حلب وحماة وإدلب استنفرت بكل كوادرها وطواقمها لتقديم المساعدة للمهجرين ولتخفيف معاناتهم، ابتداءً من المعالجة الطبية وتقديم الوجبات وانتهاء بتأمين الملابس والسكن والمبالغ المالية ضمن الإمكانيات المتاحة للجميع بعد غياب كامل للمنظمات الدولية في تقديم المساعدة لأكثر من 47 ألفا من المهجرين حسب إحصائية “منسقي الاستجابة في الشمال السوري”.
الحاج “نضال سفلو” صاحب محل لبيع “الشاورما” في مدينة إدلب قال في حديث معه لحبر:
“من واجبنا أن نقوم بمساعدة المدنيين الهاربين من الموت والحصار، فصورهم كانت توجعنا، وصرخاتهم تلامس قلوبنا، وهم اليوم حاضرون بيننا، لذلك ينبغي علينا مساعدتهم في محنتهم كل على قدر استطاعته”.
إيمان (اسم مستعار) إحدى نساء مدينة إدلب تعاونت مع أفراد عائلتها في تقديم آلاف الوجبات للوافدين من الغوطة الشرقية لمدة أربعة أيام متواصلة، رفضت الإفصاح عن اسمها وكنيتها لتكون تلك العطايا مقبولة عند الله عز وجل تقول:
“نحاول مسح دموع القهر عن وجوههم البائسة وقلوبهم المثخنة بالجراح وأجسادهم النحيلة المتعبة من الجوع والخوف الذي زرعته طائرات روسيا والنظام بعد حصار سنين، ونسأل الله أن يتقبل منا”
بادر كثير من سكان المدينة والمهجرين والنازحين من كافة المدن السورية لتقديم شتى أنواع المساعدات، كأعمال التنظيف، وتقديم الوجبات والماء، وتأمين الأغطية والفرش والوسائد وأدوات المطبخ.
أبو “محمد الحلبي” صاحب محل لبيع الأحذية مهجر من مدينة حلب إلى إدلب أكد أن مشاعر الشعب السوري الثائر واحدة، ومبادرته جاءت لتؤكد أن وَجع الغوطة وألمها عاشه كل مهجَّر ، فهو أيضًا خرج من مدينة حلب بالطريقة نفسها وعانى مع عائلته القصف حتى التهجير.
جميع العائلات التي خرجت من الغوطة الشرقية عانت من حصار دام حوالي 5 سنوات انعدمت خلالها أبسط مقومات الحياة، ومات فيها العشرات من الأطفال والعُجَّز نتيجة سوء التغذية وسط عجز كبير من المنظمات الإغاثية والإنسانية في إدخال المساعدات لهم واستمرار القصف اليومي.
“أم عمر دركزنلي” من الغوطة عبرت عن مشاعرها بدموع فرح لخروجها وأطفالها سالمين من بين الركام إلى الخضراء التي لا تعرف عن أهلها شيئا سوى أنَّ سكانها ثائرون منذ بداية الثورة، قالت: ” ذُهلت حقيقية أمام ما قدمه لنا أهلنا في إدلب من مساعدات في مدينة إدلب، وتفاءلت خيرًا أننا نستطيع أن ننسى ولو قليلًا الأيام المؤلمة التي مرت بنا في الغوطة، وأتمنى أن نرد لهم الجميل، فحالهم ليس بأفضل من حالنا”.
أما “أبو أحمد” من زملكا رجل ستيني يقف منتظرًا أمام أحد الجوامع لتأمين مَسكن لمن تبقى من عائلته قال: “والله لم يقصِّر أحد معنا، فمنذ نزلنا في قلعة المضيق استقبلونا وتعاطفوا معنا كأننا أقاربهم، قالوا لي: بيتنا بيتك، وقالوا: إننا البركة بإدلب، الحمد لله على كل حال، والخير فيما أختاره الله”.
إغاثة الملهوف ليست بالأمر الجديد على السوريين المعروفين بالجود والكرم، والجديد في القصة أنَّ الكثير من المساعدات قُدمت من الفقراء والمهجّرين من مناطق أخرى إلى إدلب بالتعاون مع أهالي المدينة، كأن المساعدة أصبحت منافسة أو سباق للتخفيف من معاناة أهالي الغوطة، فبدا الحميع “كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فهل ستكون هذه المبادرات بشارة خير تُوحد بين جميع المعارضين بعد أن تفرقوا لسنوات؟!