حفظ الأعراض من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام ليحفظها، وصون الشرف من مميزات المجتمعات الراقية والمتحضرة، ومهما تعلمنت المجتمعات، وتشرقنت، وتغربنت، تبقى لفظة “زنا” وما يتفرع عنها من أوصاف، شتائم قبيحة بحق من تُطلق عليهم.
الانتفاض نُصرةً للمرأة وشرفها أمر عظيم جدًا، لكن ليس كل من ولولت في شارع ما متهمةً شابًّا بأنه يتحرش بها هي بالضروة صادقة، وليست كل من ذرفت دموعها شاكيةً أنها ضحية لشاب متهتك عديم الأخلاق والدين هي ضحية، فالأصل الديني والوضعي لأي محاكمة عادلة أن تكون مبنيةً على مبدأ سماع الطرفين، مهما بدا الطرف الأول مظلومًا مضطهدًا، ومهما كان الثاني لئيمًا زنيمًا.
وقد قصَّ علينا الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف أن امرأة العزيز راودت يوسف عن نفسه وهو في بيتها، ولما فُوجِئت بدخول العزيز عليهما تحولت من ذئب إلى ضحية، وتقمَّصت الدور ببراعة، فقالت مباشرة ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم؟ أي إنه حاول الاعتداء على شرفي، فهل يستحق إلا العقاب القاسي؟ فاضطر يوسف الصديق لرد التهمة عن نفسه قائلاً، هي راودتني عن نفسي، فلو قصصنا عبارة هي راودتني عن نفسي من سياقها في القصة، لاتهمنا يوسف الصديق، وحاشاه، أنه يقذف المحصنات، ويرمي البريئات.
ومن الدارج أيضًا في مجتمعاتنا أن أيَّ قضية تحتاج إلى تحشيد الناس، فإن أسهل الطرق لذلك هي تحويلها إلى قضية أعراض واغتصاب، فتحريض الدواعش لسفائهم للتفجير والقتل جاء عبر شيطنة الثوار والمجاهدين، باتهامهم أنهم اغتصبوا نساء المهاجرين.
وقبل الجميع تطل علينا رواية النظام العجيبة عن الطفل (الإرهابي) حمزة الخطيب ابن الثلاثة عشر عامًا، الذي تم اعتقاله من النظام إثر محاولته اغتصاب نساء الضباط!!
لعل من أسباب ازدياد الانحلال الأخلاقي في مجتمعنا هو تمييع موضوع الأعراض، وتحويل قضية صون العرض إلى دعاية تجارية ترويجية، أو آلية إرهاب نفسي في خصوماتنا، أو أسلوب إسقاط وتشهير في نزاعاتنا.
في فطرة البشر مغروس أن الغالي يضن به، ويصان عن الابتذال، لذلك الناس تخبِّئ ما تخشى عليه الضياع أو التلف، كالنقود، والمجوهرات، وغيرها، أما الرخيص المتوافر، فمبذول للجميع.
للأسف لست من متخصصي علم النفس لأحلل أسباب استهتارنا بموضوع العرض، فهل ذلك بسبب عقد جنسية، ورغبات مكبوتة؟ أم أنه انعكاس طبيعي لحالة الامتهان العامة التي نعيشها في كل تفاصيل حياتنا اليومية؟ أم هو خلل بمنظومتنا القيمية، وآليات تفعيلها على أرض الواقع؟
يبقى السؤال معلقا، ونتركه لأهل الاختصاص.