منيرة بالوش |
ما بين تشرين 2011 و2018 سبعٌ سنين عجاف ذاقت فيهم أشد أنواع الظلم والإرهاب النفسي والجسدي مع الكثيرات من الحرائر المعتقلات في سجون النظام الذي قدم لها شهادة وفاة تحمل حصانة رسمية تحميه من السؤال كيف قتلت وفيما قتلت! فقط بورقة قُدمت لذويها انهت معاناتهم كما حال الآلاف من ذوي المعتقلين من خيرة أبناء هذا الوطن.تطل علينا قائمة الموت السوداء خلسة من نافذة السجن لتفرج عن أرواح بعض المعتقلين بين الحين والآخر، وتخلي سبيلهم بعد اعتقال دام سنوات، وقد جاء اليوم دور الناشطة (فاتن رجب) ذات 33 ربيعًا الأستاذة في الفيزياء، وهي من أبرز الناشطات السلميات في مدينة دوما، لتلتحق بركب الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
شاركت (فاتن) بجهود كبيرة في المجال الإغاثي، وفي المستشفيات الميدانية، وهي شقيقة الناشط “أحمد رجب فواز” أول من استشهد في دوما.
كان اعتقالها يوم 26 تشرين الثاني سنة 2013، حيث تمكنت شبيحة النظام من الوصول إليها واعتقالها من قبل المخابرات الجوية في دمشق، وهذا ما دأب عليه النظام منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة، حيث كان يعتقل الناشطين السلميين يزجهم في أقبية سجونه التي باتت تُعرف بالمحارق الجماعية التي تلتهم الأحرار وتمحي أثرهم واحداً تلو الآخر على مسمع ومرأى المجتمعات الدولية والمنظمات الحقوقية التي تتابع وتراقب بصمت رهيب دون أي بادرةٍ لوقف تلك المسالخ البشرية.
لم تستشهد الناشطة (فاتن) مرة واحدة، بل استشهدت آلاف المرات في زنزانات القتلة كغيرها من المعتقلين والمعتقلات، وما طرق مسامعنا من قبل الحرائر المفرج عنهنَّ يؤكد ما يذوقه المعتقلون كافة من أصناف العذاب في أقبية السجون، كان ذنبهم جميعًا أنهم رفعوا راية الحرية وصدحت حناجرهم بها تحت سماء الوطن، لتظلهم بعد ذلك أسقف عفنة لا ترى النور من ظلمة سجانيها وزبانيتها.
نُقلت المعتقلة “فاتن رجب” من سجن عدرا إلى جهة مجهولة عام 2014 وبعدها انقطعت أخبارها تمامًا إلى يومنا هذا، ليُعلن خبر وفاتها كضحية جديدة دفعت ثمن مواقفها ومبادئها غالياً.
إن أكثر من ستة آلاف امرأة تقبع في سجون النظام الأسدي حسب الإحصائيات المذكورة في المنظمات الحقوقية، يعشنَ في برزخ دنيوي لا يشبه الموت ولا الحياة، فما تقاسيه المعتقلات من تعذيب واغتصاب وجرائم بحق إنسانيتهنَّ فاق الموت بآلاف المرات.
أرواح تزهق في سجون النظام الذي بات يقدم ورقة للأهل، وأخرى تقضي باغتيال في المنفى المحرر! لكن من قتل فاتن وليلى ورائد فارس وحمود جنيد ومئات الأبرياء وغيرهم من الكفاءات السورية الشابة هو قاتل واحد مهما تغيرت المسميات وتبدلت المواقع.